كتب المحلل الصحافي الاسرائيلي برادلي بيرستون في صحيفة ''هآرتس'' العبرية اليوم الخميس متحسرا على انقضاء عقد آخر حمل مزيدا من خيبات الأمل والأحلام الضائعة الى الفلسطينيين والاسرائيليين وقال ان''من غير الممكن في الشرق الأوسط الا ان تنتهي الاحلام نهاية سيئة. ليس فقط لأن الاحلام التي تحمل رسائل الخلاص هي، بحد ذاتها وفي محتواها، احلام سيئة، ولكن نتيجة لطبيعة المنطقة، وتاريخها الذي بقدر ما يمتلئ بالخيال، فيه ايضا قدر كبير من الهلوسات المقدسة في الذاكرة المشتركة لشعوبها، ولأن الحالمين هنا يفشلون المرة بعد الأخرى نتيجة لتوهمهم بأنهم واقعيون''. ومع ان المرء قد يتفق مع بيرستون في معظم استنتاجاته، فان من الواضح انه خالف الحقيقة بقوله ان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ''رأى ان مكانته في التاريخ تعتمد على قول لا''. واضاف: ''العقد الذي انتهى هو واحد من العقود التي ماتت فيها احلام الشرق الأوسط. فقد بدأ، بشكل ملائم، بزعيم اسرائيلي شاهد مكانه في التاريخ على انه يعتمد على فرض خطة سلام على العالم العربي كله، وقائد فلسطيني رمز رأى ان مكانته في التاريخ تعتمد على قول لا. ''لا يوجد عقد في التاريخ المعاصر للشرق الاوسط شهد رزمة من الفشل المتعادل. العملاقان عرفات وشارون خاضا قتالهما حتى الموت، وخسر الاثنان. بيل كلينتون وايهود باراك وحسن نصر الله واحمد ياسين وشباب التلال وشهداء الأقصى ويوسي بيلين ومجلس مستوطنات الضفة والقطاع وحتى جيمي كارتر- كلهم حلموا بطريقة مماثلة لاسطورة ايكاروس الاغريقي، وادركوا بعد فوات الأوان انه، تحت شمس الأرض المقدسة الساطعة، فان اجنحة الريش والشمع تكشف حقيقتها، او انها، بعبارة اخرى، ليست اكثر من ريش وشمع. ''كان عقدا مؤطرا باعتقاد اصولي فلسطيني مفاده ان الخلاص يتم من خلال عمليات انتحارية، واعتقاد اسرائيلي اصولي بان الخلاص يكمن في الوحشية. ''وينتهي العقد كما بدأ مرهقا، بالمؤشرات وبلا أمل. ولأننا عايشنا هذا كله، فنحن جميعا، أكبر سنا بكثير من عشر سنوات، ولكن ليس اكثر حكمة على الاطلاق. والحقيقة ان ما تراكم على حكمتنا تلاشى مع احلامنا. الاشتراكية الجماعية، الاصلاحية المطلقة والمحافظة الجديدة على غرار ريغان وتاتشر، لم يعد في اي منها ما يمكن لنا ان نتعلمه. ''الفلسطينيون أيضا هم أيتام ايديولوجياً. قبل عشر سنوات، تلقوا وعودا بأن الكفاح المسلح سيؤدي بالدولة اليهودية الى الانهيار مثل بيت العنكبوت. قبل عشر سنوات، ربما كان من الممكن ان تكون لهم دولة خاصة بهم. والآن لا يستطيعون التنفس الا بصعوبة. ''وبالنسبة الى الشعبين، فان دروس هذا العقد لا يمكن تحملها. اذ لا اسرائيل كبرى، ولا سلام الآن، ولا فلسطين خالصة فلسطينياً، ولا حل على اساس دولتين. وربما كان هذا هو ما قرره المسيح المنظر للتسوية: وضع يكون فيه كل قاطن في هذه الأرض تعيسا بنفس المقدار. وفي هذا الخصوص، ربما لا يكون هناك وقت أنسب من هذا الوقت لاستعراض أسوأ عشر أخطاء ارتكبتها اسرائيل خلال السنوات العشر الماضية: 1 - حصار غزة: كان الهدف المعلن من الحصار تهميش ''حماس'' ودفع الغزيين الى رفض حكم ''حماس''. الا ان التأثير الناجم عن الحصارهو تركيز وتكثيف الغضب الفلسطيني على اسرائيل، وزيادة اعتماد الغزيين على الضمان الاجتماعي الذي توفره جمعيات ''حماس''، وملء خزائن ''حماس'' بالمال من الضرائب على انفاق التهريب والمنح الخارجية، واستنزاف تأييد الفلسطينيين لحركة ''فتح''، التي يعتبرها فلسطينيون كثيرون، بسبب تشجيعها الخفي للحصار، ''خائنة وخانعة''. 2 - حصار غزة: الحصار كان كما يبدو وسيلة لكبح تدفق الاسلحة الى غزة. والحقيقة ان ترسانة ''حماس'' صارت، مع شحنات بحجم سيارات تمر عبر الانفاق، اكثر تطورا ويعتقد الآن انها تحتوي على صواريخ مصنوعة في ايران قادرة على ضرب تل ابيب ومطار اللد انطلاقا من القطاع. 3 - حصار غزة: في نظر الأسرة الدولية ادت العقوبات الجماعية الشاملة - وصمت الاسرائيليين عنها- الى تبديد الادعاءات الاسرائيلية بامتلاك أرضية اخلاقية متميزة. كماادت الى تقليص التعاطف مع الاسرائيليين الذين يعيشون في مرمى صواريخ ''القسام''. وابقت اسرائيل جراح الحرب على غزة مفتوحة، وجمدت محاولات اعادة اعمار القطاع، وزادت من معدلات البطالة هناك، وثبتت معاناة التشرد مع اشتداد عنفوان الشتاء. كما قام مسؤولون اسرائيليون بخطوات تدل على بلادة مذهلة مثل منع دخول مستلزمات من نوع تجهيزات المدارس. 4 - حصار غزة: عرضت اسرائيل الحصار سابقا على انه وسيلة للضغط على ''حماس'' للافراج عن غلعاد شاليت. ولكنه ليس فقط ما يزال أسيرا، وانما يبدو ايضاً ان بنود الاتفاق المحتمل لا تتضمن رفع الحصار. وعرض الحصار في الماضي على انه وسيلة للضغط على الغزيين لوضع حد لاطلاق الصواريخ، الا ان اطلاق الصواريخ ازدادت كثافته بعد فرض الحصار. واخيرا فان الحرب الاخيرة على غزة قبل عام واحد، ربما كان من الممكن تجنبها كليا لو ان اسرائيل التزمت تماماً باتفاق الهدنة الذي توسطت مصر في عقده بين ''حماس'' واسرائيل في حزيران (يونيو) ,2008 ورفعت الحصار كليا في مقابل الحد من اطلاق الصواريخ. 5 - حصار غزة: كان للحصار تأثيرات ضارة بالدعم الأميركي لاسرائيل. ففي شباط (فبراير) خصت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اسرائيل بالغضب في ما يتعلق بوضعها عراقيل امام ادخال المعونات الانسانة الى القطاع. وجاءت هذه الرسالة مباشرة بعد زيارة جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي لغزة، ومعرفته بأن اسرائيل منعت دخول شحنات من المعجنات واعتبرتها خارج ما هو مسموح بادخاله من المساعدات الانسانية. 6 - حصار غزة: حقيقة ان الحصار فشل فشلا كاملا في تحقيق اهدافه، تؤكد الانطباع بأن غايته الفعلية هي عقابية. 7 - حصار غزة: يضع الحصارالمسؤولين الاسرائيليين في مأزق اتهامهم بانتهاك ميثاق جنيف الرابع والقوانين الدولية الأخرى، كما ورد في تقرير غولدستون. ففي اشارة الى الحصار، تقول الفقرة 1335 من التقرير: ''استنادا للحقائق المتاحة لواضعي التقرير، فان رأي اللجنة هو ان عددا من ممارسات حكومة اسرائيل قد يبرر حيثية قضائية تنص على ان جرائم ضد الانسانية قد ارتكبت''. 8 - حصار غزة: مع كون وزير الدفاع ايهود اولمرت ونائبه ماتان فلنائي المشرفين المباشرين على تطبيق الحصار ، فان السلبيات الأخلاقية المترتبة عن الحصارقد تؤدي الى وصمة عار بالنسبة الى حزب ''العمل'' المنكمش بالفعل حاليا. 9 - حصار غزة: الحصار يهدد بزعزعة حكم الرئيس المصري حسني مبارك، وهو امر يهدد السلام بين مصر واسرائيل والأمن الاسرائيلي. 10 - حصار غزة: الحصار يفسد القيم الأخلاقية للاسرائيليين كلهم. وسواء علموا بما يرتكب بحق سكان غزة ام لم يعلموا، فهم جميعا يتحملون المسؤولية الكاملة عن الممارسات التي يتم اقترافها باسمهم.