لاشك انه إذا كانت إسرائيل تلجأ لأسلوب الاغتيال والقتل كحل للتخلص من الزعامات الفلسطينية فانها تتصرف كالمافيا، وبدعوى باطلة منها كوسيلة لمقاومة الإرهاب، رغم انه يمكن تحقيق النصر على ما تزعم عليه بمقارعة الإرهاب بوسائل سياسية اخرى، حيث ان استخدام هذا الأسلوب ما هو الا هروب من التفكير السياسي الجدي، الذي يؤدي إلى تخفيف الأزمة والعودة لايجاد تسوية عن طريق الحوار والتفاوض. والحقيقة الثابتة، ان رئيس الوزراء الإسرائيلي وبصفته الرئيس الأعلى للموساد، هو الذي يوجه تنفيذ عمليات الاغتيال في هذا المجال، وقد أكدت عشرات عمليات الاغتيال التي نفذتها الأجهزة الإسرائيلية أنها تمت بناءً على تصديق رئيس الحكومة. يمكن ملاحظة سيطرة فكرة العنف على الأيديولوجيا الاسرائيلية وضمن سياستها الاستراتيجية الأمر الذي يمكن ارجاعه إلى عدة عوامل يتمثل أهمها في الآتي: 1- إرتكاز الثقافة السياسية الموجهة لصانع القرار السياسي الإسرائيلي على مفهوم العنف والقتل والتصفيات الجسدية والرغبة في تحقيق الهدف بأية وسيلة وبأي ثمن، مما يحصر البدائل المطروحة في اضيق مساحة ممكنة، ويقدم أسلوب الاغتيال بوصفه اقصر الطرق واكثرها فعالية. 2- حجم النفوذ الذي يتمتع به قادة الأجهزة الأمنية لدى القيادة السياسية وتفاعل الادوار لتلك الاطراف سواء على مستوى الدولة أو الأجهزة الاخرى والذي قد يسمح لهم بفرض آرائهم الخاصة على رئيس الحكومة وتأمين موافقته بعيداً عن تأثير القوى الفاعلة في الدولة. 3- نوعية التهديدات التي تتعرض لها الدولة الإسرائيلية وأسلوب رئيس الوزراء ورئيس الموساد في صياغة هذه التهديدات في مواجهة المؤسسات الاخرى والرأي العام، كالإصرار على تقديم المشكلة الامنية على اية قضايا اخرى، مما يدفع اللجوء للأساليب العنيفة والمواجهات الحادة في معالجة مواقف طارئة. 4- تقدير ردود فعل الخصم، وما يمكن ان يقدم عليه من عمليات انتقامية وغالباً ما يكون هذا العامل في صالح اللجوء إلى مزيد من الاغتيالات المتبادلة توقعاً لمحدودية تحمل إسرائيل دفع ثمن باهظ مقابل اختياراتها. يلاحظ ان تبني إسرائيل لأسلوب العنف والاغتيال كاستراتيجية سياسية يقابله تعدد مستويات ذلك العنف واتجاهاته سواء في الاراضي المحتلة أو في الوطن العربي أو على مستوى العالم ويتضح ذلك فيما يلي: 1- أتجاه يستهدف الخصوم بصورة مباشرة وهو الذي ظهر منذ اللحظة الأولى بقيام الدولة بانتهاج سياسة تستهدف اخراج السكان الفلسطينيين من قراهم ومحاولة تعديل التوازن السكاني لصالح اليهود، ثم توالت بعد ذلك اعمال القمع تجاه الصف الأول للزعامات الفلسطينية في العديد من الدول العربية. 2- اتجاه يستهدف المحافظة على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وحرمان الدول العربية من اية فرصة لموازنة هذا التفوق ويندرج تحت هذا الاتجاه عملية مطاردة العلماء العاملين في المؤسسات العسكرية أو النووية مع وقف البرامج النووية لبعض من يحاول امتلاكها كما في التدمير المباشر للمفاعل العراقي عام .1981 3 اتجاه يستهدف الانتقام لأحداث سابقة كما في مطاردة إسرائيل وأجهزتها لكل القيادات التي عملت في حكومة هتلر بهدف محاكمتها والتخلص منها أو اغتيالها في مواقع تواجدها دون اعلان، ومن اشهر تلك العمليات عملية ''أدولف ايخمان'' في احد شوارع العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس. 4- استخدام قدرات الموساد وخبرته لصالح بعض الاصدقاء، اضافة لذلك، فقد بلغ استخدام الأجهزة الإسرائيلية لاسلوب العنف والاغتيال، حد الاستعانة بقتلة مأجورين كما في تنفيذ عملية محاولة اغتيال ضد الرئيس عبدالناصر، حين بدأت بالفعل في اعداد القاتل ''موردخاي كيدار''. وبتحليل دلالات عمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة، فإن بين تلك العمليات ما تعتبر فاشلة أو لم تتحقق فيها الأهداف المطلوبة، واللافت للنظر في متابعة ردود فعل المحاولات الفاشلة هو ان الجميع في إسرائيل قد انشغلوا بتحليل اسباب فشل العملية، ولم يطرح واحد منهم التساؤل الأول والبارز للغاية: هل هناك ضرورة في الأساس لان تنشغل دولة بالقتل أو ان يكون القتل والاغتيال هدفاً سياسياً ومحدداً في استراتيجيتها؟ كما ان فشل عمليات الاغتيال في إسرائيل قوبل بالكثير من التحليلات والاهتمام لدى المسؤولين الإسرائيليين والأجهزة الامنية، ويرتبط ذلك عملياً بالثقة لدى الموساد وبالصراعات الوظيفية الداخلية، ففي فشل محاولة اغتيال خالد مشعل فان ذلك قد يعزى إلى جوانب قصور قد تنسحب على محاولات فاشلة اخرى ويمكن توضيحها بما يلي: 1-أن احتمال فشل العملية لم يخطر على بال الذين خططوا ووقعوا في الموساد على تنفيذها ووجد لديهم اعتقاد راسخ بانهم يملكون من الوسائل ما يضمن تنفيذ عملية هادئة تخلو تماماً من الاخطاء بمعنى ان الثقة بالنفس بلغت حداً غاية في الخطورة. 2 ان التنسيق بين افرع المخابرات بشأن هذه العملية كان مفتقداً ومعيباً مما دفع اللجنة المشكلة في 6 أكتوبر عام 1997 للتحقيق في اسباب الفشل إلى طرح سلسلة من التوصيات في هذا الشأن، واقترحت تعيين مساعد خاص لرئيس الوزراء لشؤون المخابرات والأمن يكون حلقة اتصال بينهم وبين أجهزة المخابرات ويشارك بصورة مستديمة في الجلسات المشتركة لرؤساء أفرع المخابرات. 3- ان كلا من رئيس الموساد ورئيس شعبة التنفيذ يتحملان مسؤولية أكبر من تلك التي يتحملها المنفذون، فمن المؤكد ان هناك عيوباً كثيرة شابت التخطيط، وان كبار المسؤولين الذين اشتركوا في التصديق على العملية كانوا من بين العناصر الأساسية لفشل العملية. كان ذلك عن الجوانب الفنية، أما عن الجوانب والابعاد السياسية، فان اخطر المشكلات التي تواجه أي جهاز أمني هي تورطه في تبني مواقف سياسية تؤثر على موضوعية استنتاجاته وتقديراته، وانه يبدو من الثابت أيضاً ان جهاز الموساد المكلف بتلك العمليات قد وقع في مطب التسييس والانتماء لاتجاهات حزبية تؤثر على تجرده الايديولوجي. وعلى المستوى السياسي يظهر أيضاً اتجاهان يتجاذبان التخطيط والتنفيذ لعملية الاغتيالات في إسرائيل، يتمثل الاتجاه الأول في النقلات النوعية الكبيرة التي احدثتها العملية السلمية الذي من المفترض أن يلعب دوراً مهماً في وقف تصعيد العنف ومن ثم لابد ان يحدث اثره في البنية الثقافية لأعضاء الموساد، إما بمزيد من الشعور بالتفوق والاستهانة بالخصم، أو الميل إلى تعديل الاتجاه السياسي وعلى ما يبدو فإن الاحتمال الأول أقرب للعقلية والعنجهية الإسرائيلية. والاتجاه الثاني ينبع من طبيعة التوجه السياسي للقيادة الحاكمة في إسرائيل، ذلك ان التطرف قد يترابط من وقت لآخر في السلوك السياسي أو في ادارة شؤون الدولة، ويبدو فساد السلوك السياسي من عدم الالتزام بأية تعهدات يقدمها لقادة الدول الأخرى واللجوء لاستخدام أساليب لا تتفق وانضباط رجل الدولة كالاحتيال والرشوة وخيانة الثقة. وعليه فان ما يؤكد ان اتجاهات إسرائيل في الاقدام على عمليات الاغتيال والتي اضحت تشكل منهجاً سياسياً ان لجنة التحقيق الخاصة بعملية فشل اغتيال خالد مشعل لم تناقش بأي قدر جدوى العملية، بل ودافعت بحرارة عن ضرورة استمرار هذا الخط أي الاغتيالات والعنف في سلوكيات إسرائيل. وطبيعي أيضاً ان يواجه أعضاء الموساد المسؤولون عن تلك العمليات قدراً متزايداً من البلبلة الفكرية والسياسية طالما انشغلوا بما يجري خارج منظمتهم بعيداً عن الالتزام المهني، فهم اولاً واخيراً مواطنون إسرائيليون يتعرضون لما يتعرض له مجتمعهم من اختلالات وصراعات، وقد يكون من نتيجة ذلك كله ان يقع الجهاز في أي مجموعة من المتطرفين الذين يدركون تماماً ما يريدون ويضعون انفسهم في خدمة قيادة سياسية بكل ما يحمله من تطرف ورغبة في السلطة. واذا عدنا إلى الوراء فان منظومة الأجهزة الإسرائيلية ما فتئت تعمل جاهدة في ترسيخ الرعب والدمار والقتل والاغتيال في المنطقة العربية من خلال انشائها لأجهزة أمنية واستخبارية تعتبر اليوم متطورة لفرض سيطرتها لتنفيذ مخطط احتلالها الكامل للأراضي الفلسطينية بالحرب المعلنة احياناً أو باغتيال للشخصيات المؤثرة في دعم القضية الفلسطينية، واستطاعت ان تقدم رسائل تحذيرية في المؤامرات الصامتة للقيادة الفلسطينية وتتزايد وتيرة الرد وحشد الطاقات ليلجأ الطرفان لمزيد من الخوض في مسرح عمليات الاغتيال والانتقام المستمر. وفي إسرائيل فان الآلة المدبرة لتلك العمليات تولدت منذ بداية تأسيس جهاز الأمن العام ''الشين بيت شاباك'' عام 1949ومهمته كانت منذ بدايته احباط الجهود التجسسية للدول العربية داخل إسرائيل، كما اقيمت داخل السجون الإسرائيلية اقسام تحت اشراف الشاباك لاعتقال الفلسطينيين والتحقيق معهم، وبعد اغتيال رئيس الوزراء اسحاق رابين عام 1995 استحدث جهاز الشاباك قسم ''القلم اليهودي'' متخصص في رصد ومتابعة نشاطات الجماعات السرية اليهودية المتطرفة أيضاً، وقد قام الجهاز عبر تاريخه بتنظيم عمليات تجسسية واسعة استهدفت اغتيال شخصيات فلسطينية وعربية واسعة، ففي عام 1971 قام جهاز الشاباك بأكبر واضخم عملية معقدة اسفرت عن اعتقال 90 عنصراً في المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة كما انه تمكن من تنفيذ عدة عمليات اغتيال في التسعينيات أودت بحياة قادة تنظيمات فلسطينية. أما جهاز الموساد فبدأ تنظيمه في مايو 1948 تقليداً للنموذج البريطاني وبدعم من بن جوريون لرصد الشخصيات المهمة وتنفيذ الخطط المحمومة بالقتل والابادة من اشهرها اغتيال العقيد مصطفى حافظ أحد ضباط الجيش المصري الذين خاضوا حرب عصابات ضد إسرائيل خلال الخمسينيات. ولعل من اشهر عمليات الاغتيال التي ارتكبتها إسرائيل اغتيال الشهيد خليل الوزير ''ابو جهاد'' في تونس، ففي بداية شهر مارس عام ,1988 أعلن رئيس وزراء إسرائيل اسحاق شامير في تصريحات متفرقة ان قوات جيش إسرائيل ستصعد وبكل الوسائل من عملياتها لاعادة الهدوء إلى إسرائيل قبل ان تبدأ احتفالاتها بالذكرى الأربعين لقيام إسرائيل والتي كانت ستبدأ في 15 ابريل وعلى مدى شهر، مشيراً إلى ان إسرائيل ستقوم باغتيال قيادات المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، وذلك بعد ان عجزت عن اجهاضها بالأساليب البوليسية القمعية والوسائل الأخرى. وأعلن شامير صراحة عن مخططه الاجرامي ضد القادة الفلسطينيين والذي بلغ به الجنون مداه اثر نجاح مجموعة فلسطينية مسلحة في اختراق الأمن النووي الإسرائيلي، بعد ان نجحت في تحطيم جميع التدابير الأمنية ووصلت إلى منطقة النقب على مقربة من ديمونة حيث المفاعل النووي الإسرائيلي، وكان شامير يعرف تماماً الشخصية القيادية ذات التخطيط المحكم والتي تؤرقه منذ عقد ونصف من الزمن، والتي ارتبطت منذ ذلك الحين عضوياً بالارض المحتلة فكان طبيعياً ان يضعها ضمن أولويات أهدافه في القضاء عليها، كما وعبر عن عجزه عندما اصدر امراً إلى مجموعة من جهاز الموساد لاغتيال ثلاثة كوادر فلسطينية يتبعون الشهيد ابو جهاد في قبرص في فبراير ,1988 وكان استشهاد المناضلين الثلاثة الرسالة الاكثر مباشرة في ان ابو جهاد هو الهدف المرشح المقبل. وباغتيال الشهيد ابو جهاد تكون إسرائيل قد دشنت بالتاريخ المحدد احتفالاتها بالذكرى الاربعين لإنشاء دولتها على طريقتها الخاصة الا انه وفق المعطيات فان حساباتها خاسرة اذ افاقت الاراضي المحتلة على سماع نبأ اغتيال ابو جهاد وجرت اعنف مواجهة مع سلطات الاحتلال في اشارة إلى ان استشهاده هو بداية لانتفاضة جديدة. ومؤخراً عمدت إسرائيل لاغتيال شخصية في الصفوف الأولى من المنظمات الفلسطينية، وهو زعيم الجبهة الشعبية ''ابو علي مصطفى'' في أغسطس الماضي بقصف مكتبه بالضفة الغربية من قبل طائرات إسرائيلية. خلاصة: مع تزايد الخسائر الإسرائيلية، اثبتت الانتفاضة بشكل لا يدع مجالاً للشك بطلان فرضيات كانت تحكم المؤسسة الامنية في تعاطيها مع المقاومة الفلسطينية وفشل تقديراتها فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على انهاء الانتفاضة في الوقت الذي يكثر فيه شارون ووزراؤه من القول انه بالامكان انهاء الانتفاضة في وقت قصير نسبياً وان الأمر يتطلب تكثيف العمل الإسرائيلي الميداني سواء عن طريق توسيع الاغتيالات وغيرها من وسائل القمع، الا ان هذا يتعارض بشكل حاد مع تقييمات جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وكذلك مراكز الابحاث الخاصة بالمخابرات والشاباك والتي تؤكد ان الانتفاضة قد تستمر حتى العام ,2006 وقد اشار العديد من المراقبين الإسرائيليين إلى استنتاج مفاده ان كل مسئول إسرائيلي يتحدث عن امكانية القضاء على الانتفاضة بواسطة العمل المسلح والاغتيال انما يضلل الجمهور الإسرائيلي. واللافت في تعليقات العديد من المعلقين الأمنيين على سلسلة العمليات الأخيرة في إسرائيل، هو أن سلسلة العمليات التي قامت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مواجهة تلك العمليات ولا سيما عمليات التصفية فشلت في ايقاف العمل ضد إسرائيل، بل إن هناك من المعلقين من يرى أن هذه العمليات قد زادت الدافعية لتنفيذ عمليات نوعية، وتطوير قدراتهم في هذا المجال. مع كل ما تقدم، فإن المراقبين في إسرائيل يرون أن الجيش الإسرائيلي سيعرض على الحكومة الإسرائيلية مخططًا سبق إعداده من قبل، ويقضي بأن يقوم بإعادة احتلال مناطق محددة داخل الضفة الغربية توصف بشكل خاص بأنها موطن لمنفذي العمليات الفدائية''، لا سيما مدينة ومخيم جنين. وحسب هذا المخطط الذي أشارت إليه القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، سيتم اقتحام مدينة جنين والمخيم بشكل كامل وإدخال قوات تكون قادرة على تمشيط المدينة والمخيم بحيث يتم اعتقال أو تصفية كل من يُعتقد أن لهم علاقة بالعمل المسلح ضد الأهداف الإسرائيلية من مختلف التنظيمات، كما يقترح المخطط أيضا اقتحام مدن وبلدات ومخيمات فلسطينية أخرى، ليس من أجل تدمير مقار الشرطة الفلسطينية فحسب، بل من أجل المكوث داخلها حتى تتم تصفية أو اعتقال عناصر منظمات المقاومة الفلسطينية. وفي عام 2001 فقدت حركة حماس، عضو القيادة السياسة فيها أيمن حلاوة الذي اغتالته الأجهزة الإسرائيلية ، في ذات الساحة، وأمام ذات الجمهور، في مركز مدينة نابلس، حيث اعتاد ثلاثة من زملائه السابقين في قيادة الحركة أن يقفوا في مثل هذه المناسبات، قبل أن يسقطوا في عمليات اغتيال مماثلة، وهم جمال منصور وجمال سليم وصلاح دروزة. وكانت السلطات الإسرائيلية بدأت في انتهاج سياسة الاغتيال، في هذه الانتفاضة، منذ التاسع عشر من تشرين ثاني عام ,2000 بعملية اغتيال كادر بارز في حركة فتح في منطقة بيت لحم حسين عبيات، وذلك عن طريق قصف سيارته من الجو. وقد بلغت حصيلة ضحايا الاغتيالات م حوالي 65 فلسطينياً من قادة وكوادر ونشطاء الحركات والقوى السياسية. وسياسة الاغتيالات التي انتهجتها السلطات في هذه الانتفاضة، جاءت امتداداً لسياسة الاغتيالات التي انتهجتها في الانتفاضة الأولى، وفي مراحل سابقة لها، وإن اختلفت الأدوات والأساليب. ففي الانتفاضة الأولى، اتبعت أسلوب الاغتيالات من خلال وحدات خاصة أنشأتها لهذا الغرض، وهي وحدات ''دوفدوفان'' في الضفة، و''شمشون'' في قطاع غزة. وبين تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ''بتسليم'' أن ''''100 ناشط فلسطيني جرى اغتيالهم خلال الانتفاضة الأولى على أيدي هذه الوحدات. ويقول المراقبون بأن إسرائيل لم تحقق في الانتفاضتين أي من أن أهدافها من وراء الاغتيال، وحصدت بدلاً من ذلك الانتقام والثأر. وقال الدكتور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح: ''الاغتيال يذكي روح الانتقام، ولا يوقف حركة الشعب عن مواصلة النضالس. وأضاف: ''قد يحد هاجس الاغتيال من الأداء التنظيمي الراقي بسبب الشكوك، والقيود التي يفرضها المستهدف على حركته، لكن القوى والفصائل التي تخسر كوادر وقادة من بين صفوفها، تلجأ للانتقامس. وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أقدمت مؤخراً على اغتيال الوزير الأكثر تطرفاً في الحكومة الإسرائيلية رحبعام زئيفي، انتقاماً لاغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى في أواخر أب .2001ويقول الناشطون الفلسطينيون بأن الاغتيال لن يثنيهم عن مواصلة دورهم، بل يشكل دافعاً لهم للقيام بأعمال ثأرية. وتعلن إسرائيل أنها تتبع أسلوب الاغتيال من أجل القضاء على البنية العسكرية للمنظمات الفلسطينية، التي تصفها بالإرهابية، لكن قادة وكوادر هذه القوى والفصائل يقولون بأن الاغتيالات لا توقف ينبوع المناضلين الذي لا ينضب لديها. وقد بينت التجربة أن اغتيال قائد أو كادر عسكري يشكل دافعاً للكثيرين للحلول مكانة، والعمل على الانتقام له. ففي مدينة جنين ظهر عدد كبير من النشطاء والكوادر العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي عقب اغتيال قائد الجناح العسكري للحركة في المنطقة إياد حردان في نيسان .2001 وفي الجانب السياسي لا تبدي القوى السياسية الفلسطينية قلقاً على مصيرها في حال اغتيال عدد من قادتها ورموزها. فالتنظيمات التي يكون قادتها هم شهدائها، تكون أكثر نمواً وجماهيرية بين الناس. وقد سقط العديد من القادة الفلسطينيين البارزين في عمليات اغتيال استهدفتهم منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية في العام ,1965 مثل خليل الوزير ''أبو جهاد'' نائب القائد العام لقوات لثورة، كمال ناصر ،وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وغسان كنفاني، وخالد نزال، وغيرهم من قادة منظمة التحرير وفصائلها. وخلال الانتفاضة الراهنة اغتالت إسرائيل ثلاثة من قادة السياسيين البارزين هم أبو علي مصطفى القائد التاريخي في منظمة التحرير الفلسطينية، وجمال منصور ،وجمال سليم، عضوا القيادة السياسية لحركة حماس. وفي الشارع الفلسطيني يبدي الجمهور تعاطفاً متزايداً مع القوى السياسية التي يتعرض كوادرها وقادتها للاغتيال. وقد خلق استهداف النشطاء والكوادر قدراً اكبر من التضامن بينهم في الميدان. وشكل الاغتيال في الآونة الأخيرة المحرك الرئيس وراء الكثير من العمليات والهجمات الفلسطينية على أهداف إسرائيلية، في الضفة، وداخل الخط الأخضر. فقد شهدت الأراضي الفلسطينية تجميداً ملحوظاً للهجمات العسكرية، عقب إعلان القيادة الفلسطينية عن قف إطلاق النار من جانبها مؤخراً، لكن هذه الهجمات سرعان ما عادت للظهور، بعدما واصلت الحكومة الإسرائيلية تنفيذ عمليات الاغتيال. فقد شكل إقدام الأجهزة الإسرائيلية على اغتيال ستة النشطاء والكوادر خلال فترة الهدوء تلك، ثلاثة منهم من كوادر حركة حماس في نابلس، وقلقيلية، وثلاثة من حركة فتح في بيت لحم ، شكل إيذاناً للقوى والفصائل المختلفة بالعودة لاستئناف نشاطها العسكري من جديد