كشفت الإحصائيات الأخيرة المسببات الرئيسية لحوادث المرور في فرنسا وتبين ان عامل النعاس يعد فاعلا رهيبا في الموضوع، فواحد من ثلاثة حوادث مرور في بلاد الجن والملائكة سببها النعاس. هذه المعلومات وإن كانت توحي بخطر ما فإنها تدل بأن الشعب الفرنسي يعمل إلى حد النعاس، بمعنى أن الوقت والجهد مستهلكان ومسخران، إلى آخر رمق في العمل والتنمية، فضلا عن كون النعاس عاملا من عوامل تخفيض السرعة. بخلاف ما يحدث عندنا نحن شعب الجبارين في الضفة الجنوبية للمتوسط. فإحصائيات مصالحنا المختصة تؤكد كل مرة وتحذر بأن أهم أسباب حوادث المرور في الجزائر هو الإفراط في السرعة، الذي يوحي لأول وهلة بأن وقتنا وجهدنا مستغلان إلى آخر نقطة، وأننا نسابق الزمن المستغل من أجل قضاء مصالحنا. والواقع أننا نملك كل الوقت ولا نملك منه شيئا في لوحة توحي وتحمل دلالات التناقض من ألفها إلى يائها، مما يجعل من نعمتي النعاس والنوم نقمتان على الكائن الجزائري، في الوقت الذي يجب أن لا يختلف اثنان ولا يتناطح تيسان على أنهما نعمتان .. نعمتان مغبون فيهما كثير من الجزائريين، لاسيما وان الفطرة تستدعي البساطة فيهما والبعد عن التعقيد. والمحلل لوضع الإنسان الجزائري حاليا يدرك تمام الإدراك أن نعاسنا غير نعاس من سبقونا، وكذلك الحال بالنسبة للنوم، اللذين أصبحا يمثلان هاجسا ومشكلا يؤرق أصحاب الفكر ومدعي استنهاض الأمم. وفي تساوق غريب مع الطبيعة أصبح نوم الكثيرين منا والحال نفسه مع النعاس مركبا على شاكلة جهلنا، لا يدري الواحد منا نومة صاحبه هل هي الأولى أم الثانية أم ... كل ذلك داخل النومة الواحدة!. وبمقارنة بسيطة بين النعاس الغربي والنعاس الشرقي يتضح أن الأول نعاس بعد أداء الواجبات، واستفراغ الجهد في العمل من اجل التنمية، فهو نعاس طبيعي، أما الثاني فهو نوم -في ظل سياسة حرق المراحل- عن أداء الواجبات واحترام القوانين، وتعمد في الهروب من كل الالتزامات الحياتية للإنسان في خضم هذه الحياة، بالإضافة إلى كون نومنا مركب من مجموعة من النومات غير المتناهية.. وفي هذا السياق لا بد على الدولة أن تفكر من الآن في خلق ثقافة النعاس الذي يسبق النوم، واستيراد تلك النوعية منه التي تجعل من البلد عضوا في مجموعة الثمانية الكبار.