أبانت الحرب الكلامية الأخيرة بين الزعيم الإسلامي بوقرة سلطاني والزعيمة التروتسكية لويزة حنون عن مستوى السياسيين عندنا، فضلا عن البطالة الفكرية والثقافية والسياسية التي يعاني منها هذا الطرف أو ذاك، حتى أن محصلة الرأي قد تقود المواطن البسيط من أمثالي الذي لا يفقه في السياسة مثقال حبة خردل يعتقد أن السيد يوقرة تروتسكي المشرب إسلامي الملبس في بعض الفصول، وأن السيدة حنون إسلامية المشرب تروتسكية الملبس. وكأن النقاش في مجمله نقاش في الرقية وفي الغول والجن الذي لا وجود له إلا في البلدان الضعيفة والفقيرة، وكأننا حللنا مشاكل الإنس ولم تبق لنا غير مشاكل الجن فتاه الناس بين راق ملتح وراقية بلا لحية، وكأن المشكل في الإعدام الذي لا يطبق فعليا في الجزائر منذ عقود، ولسان حال المواطن يقول الإعدام معدم، خلونا في إعدام التربية وإعدام الثقافة وإعدام الصحة وإعدام البطاطا والخضروات وإعدام أسعار المواد الأكثر استهلاكا الملتهبة. هذا السجال السياسي الذي تناطح فيه كل من بوقرة وحنون ذكّرني بالسجال الكروي بين شناوة المولودية ومسامعية الاتحاد عشية قمة البطولة مساء أول أمس، حين يروي الشناوة أن المسامعية بثوا القرآن الكريم في ناديهم بالعاصمة دلالة على نعي المولودية والقضاء عليها كرويا، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، وما أدرك الجمع أن هذا السجال لم يجعل من لاعبي البطولة الوطنية يرفعون حضورهم في ''الخضر'' حيث إنهم لا يمثلون حتى عشر معشار تركيبة الفريق الوطني لكرة القدم، المدعم بأرجل الحراقة الوطنيين طبعا، وفي الأخير لا يعتقدن أحد أن المواطن قد ''يهفه'' ''قردون'' حنون، ولا لحية أبو جرة، لأن السلوك السياسي المنبئ عن سلوك اجتماعي وخلفية ثقافية هي الحكم، والتاريخ السياسي وفلسفة التاريخ لا يقفان عند الرقية والرقاة ولا عند الجن والمجنونين، لأن تلك المحطات لا تتعدى جغرافيتها المصحات النفسية وكفى.