في إحدى سفرياتي نفذت كالعادة من ذلك الجهاز الكاشف، الذي يصيح إذا مسح في الجيب شيئًا معدنيًّا، ففزعت إذ أخذ يصرخ بشكل مزعج، فمددت يدي لأجد بجيبي الأيسر نصف ريال (عملة معدنية)، فأخرجته ونحيته عني، وأردت أن أنفذ مرة ثانية فإذا به يصيح، فأحسست بالانزعاج، وتصببت عرقًا من الحياء، ومددت يدي لأجد في الجيب الآخر مفتاحًا، فتوقفت، ودققت في استخراج كل ما في جيوبي، لأنفذ بعد ذلك بسلام، وأنا غير مستريح؛ إذ انتابني إحساس أن الناس كلهم ينظرون إلى، ولأنني مسلم ملتحٍ فربما شكوا أنني أحمل في جيبي طائرة أباتشي، أو راجمة صواريخ، أو أخبئ في حقيبتي مفاعلاً نوويًّا أو نحوه! عندها راودتني فكرة جعلتني أرتعب، إذ قال لي خيالي المتمرد: تخيل لو أن الله تعالى وضع في بدنك جهازًا يصرخ هكذا كلما ارتكبت ذنبًا، أو اجترأت على معصية، يا خبر! ستكون مصيبة، سيظل يرن طول النهار، لأنني من بني آدم الخطائين! وتماديت في خيالي أكثر، ماذا لو كان هذا الجهاز في أجساد الناس كلهم!؟ كيف سيكون حال الشارع والبيت، ومكان العمل، والأصوات تخرج في وقت واحد من مائة شخص، من ألف، من مليون، من مليار، من أهل الأرض جميعًا هل ستكون الحياة على ظهر الأرض ممكنة؟! أظن أننا سنهلك من أول نصف ساعة، بل من أول دقيقة، من أصوات المعصية التي تصرخ، وتزعج، وتملأ الأجواء كلها، فالصوت طاقة مدمرة، قادرة على إبادة الكون كله بمجراته! ثم تمادى خيالي الحرون، فتخيلت ما تخيله الشاعر أبو العتاهية قبلي، حين حمد الله أنه ليس للذنوب رائحة منتنة تصدر عن فاعليها: كيف إصلاح قلوبٍ.... إنما هُنَّ قروح أحسن الله بنا.... أن الخطايا لا تفوح فإذا المستور منا.... بين ثوبيه فَضوح وافترضت معه: لو أن أحدنا كلما اقترف ذنبًا خرجت عنه بالذنب رشة رائحة عفنة فكيف سيكون الحال؟ وأمسكت بطني، لأنني وحدي بالتأكيد - سأملأ الدنيا عفنًا قبل آخر النهار، لكثرة ذنوبي، فكيف لو خرجت ريح الذين أعرفهم، والذين لا أعرفهم: مائة شخص، ألف، مليون، مليار، أهل الأرض جميعًا كيف ستكون الأرض؟ مزبلة مقززة؟ مرحاضًا كبيرًا؟ كوكبًا متعفنًا؟ شيئًا لا يطاق أن يعيش فيه المرء دقيقة واحدة؟ وسألت نفسي: هل تعرف نعمة ستر الله عليك يأيها المذنب الغارق في خطاياك؟ وهل تقدرها؟ وهل تشكر ربك الحليم الستير عليها؟! الحمد لله على الإسلام، وعلى نعمة الستر، وعلى نعمة العافية! اللهم أدمها علينا دنيا وأخرى يا كريم.