ممدوح الشيخ - إسلام أون لاين رحل الأكاديمي المرموق مترجم الروائع المفكر والداعية المصري الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين مساء الأحد 26 سبتمبر 2010 عن عمر يناهز (82 عاما) تاركا مكتبة من المؤلفات والتحقيقات والترجمات القيمة، ومخلفا وراءه غبار معارك لم تهدأ، ولعلها مفارقة ملفتة أن يتوفى بعد قليل من وفاة الدكتور نصر حامد أبو زيد، بعد أن كان تقرير علمي للدكتور عبد الصبور شاهين شرارة معركة طويلة خاضها الدكتور نصر حتى وفاته. البداية ولد الدكتور عبد الصبور شاهين 18 مارس عام 1929 وكان مساره التحصيلي شأن معظم أبناء جيله فحفظ القرآن الكريم طفلا دون العاشرة، وتلقى تعليما أزهريا ثم حصل على شهادة الثانوية عام ,1951 والتحق الشيخ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. والتحق شاهين أيضا بكلية الحقوق كمستمع حر يحضر المحاضرات ويسمع اللغة الفرنسية من ألسنة الأساتذة وكانوا يدرسون القانون المدني والدستوري والاقتصاد السياسي والقانون الروماني وتاريخ القانون بالفرنسية فتعلم الفرنسية. وفي دار العلوم، كان عبد الصبور شاهين طالبا متفوقا وتخرج عام 1956 وكان ترتيبه الثاني. حصل عبد الصبور شاهين على دبلوم من كلية التربية (1957) والماجستير (1962) والدكتوراه (1965) بمرتبة الشرف الأولى. لكن المحطة الأهم في مساره كانت تعرضه للاعتقال بسبب ميوله الدينية ليتعطل مساره الدراسي عاما، وقد تركت هذه المحطة أثرا في حياته لسنوات تالية، فبعد تخرجه حرم من فرص وظيفية كثيرة، فاجتاز اختبارا يؤهله للالتحاق بالسلك الديبلوماسي ونجح ولم يسمح له بالعمل ، ودخل امتحانا للعمل بالإذاعة المصرية فكان ترتيبه الأول بين المتقدمين ورفض تعيينه وكانت الترجمة هي الحل مؤقتا. ثم عين شاهين مدرسا، ثم رشح كمعيد بدار العلوم وبتدخل من الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف أصبح عضوا بهيئة التدريس بها سنة .1958 وعمل الدكتور عبد الصبور شاهين أستاذاً بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن كما عمل بالكويت لفترة. ولعل من المفارقات بعد تجربة الاعتقال والملاحقة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أن يعرض على الرجل في عهد السادات وهو يعمل بالتدريس خارج مصر أن يتولى منصبا مرموقا فيرفض مفضلا العمل الأكاديمي على المنصب السياسي. أهم أعماله ورغم ما حققه الدكتور عبد الصبور شاهين من شهرة كبيرة كخطيب بمسجد عمرو بن العاص التاريخي بالقاهرة وكمشارك نشط في الشأن العام، فإن تراثه الفكري والعلمي والفكري يظل الجانب الأكثر ثراء ? والأقل شهرة ? فقد ترك من المؤلفات الفكرية واللغوية المتخصصة الكثير أهمها: ''القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث''، ''المنهج الصوتي للبنية العربية: رؤية جديدة في الصرف العربي''، ''تاريخ القرآن''، ''في علم اللغة العام''، ''العربية: لغة العلوم والتقنية''، ''في التطور اللغوي''، ''في العربية والقران''، ''مفصل آيات القرآن: ترتيب معجمي''(عشرة مجلدات)، ''دراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس باستخدام الكومبيوتر'' (تأليف بالاشتراك)، ''مصر في الإسلام'' (تأليف بالاشتراك)، و''موسوعة أمهات المؤمنين'' (تأليف بالاشتراك)، أما مؤلفه الأكثر إثارة للجدل فهو: ''أبي آدم: قصة الخليقة بين الأسطوره والحقيقةس. كما ترك الدكتور عبد الصبور شاهين من التحقيقات الكثير وأهمها: ''أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي'' لأبي عمرو بن العلاء، ''الحكم العطائية'' لابن عطاء الله السكندري، و''لطائف الإشارات لفنون القراءات لشهاب الدين القسطلاني (تحقيق بالاشتراك)، فضلا عن إشرافه على تحقيق ''تأويل مشكل القرآن'' لابن قتيبة الدينوري. وترك الدكتور عبد الصبور شاهين ترجمات حازت شهرة مدوية وبخاصة ترجماته لأعمال المفكر الجزائري الشهير مالك بن نبي والدكتور محمد عبد الله دراز، وأهم ترجماته: ''الظاهرة القرآنية: نظرية جديدة في دراسات القرآن''، و''وجهة العالم الإسلامي، ''ميلاد مجتمع: شبكه العلاقات الاجتماعية''، و''مشكله الثقافة''، وجميعها لمالك بن بنى. ومن ترجماته الشهيرة أيضا ''دستور الأخلاق في القرآن: دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن'' للدكتور محمد عبد الله دراز. ومن الترجمات المتخصصة في علم اللغة: ''العربية الفصحى: نحو بناء لغوى جديد'' لهنرى فليش، و''علم الأصوات'' لبرتيل مالمبرج. وإلى ترجمات الدكتور عبد الصبور شاهين يرجع الفضل في تعرف العالم العربي على مؤلفات مالك بن نبي وهو ما يصفه مثقف مغاربي قائلا: ''هناك ترجم له د. عبد الصبور شاهين عددا من أهم كتبه ترجمة بديعة، فاشتهر ذكر مالك، وتعرَّف عليه الأكابر بمصر والشام. كما بنى مالك صلة بالرئيس عبد الناصر، وخصصت له القيادة المصرية راتبا شهريا مكنه من التفرغ للكتابة والمحاضرات خلال سبع سنين.!