ما يميز السنوات الأخيرة أن العديد من الجزائريات فقدن متعة الاحتفال بالعيد على الطريقة التقليدية التي حافظت عليها الأسر لسنوات عديدة، متحججات بمسؤولياتهن الكثيرة التي تزيد في شهر، فهناك من أصبحت تجد في بعض الطقوس تكليفا وتعبا حتى وإن كان يحمل الكثير من المتعة التي كانت تجدها الجدات والأمهات وهن يتهيأن لاستقبال العيد سواء من خلال تحضير الحلويات. صار العيد من المناسبات القليلة التي تلتقي فيها الأسر الجزائرية ويلتم شملها استعداد لاستقباله، بعدما تخلت الكثير منها عن عادة تحضير حلوى العيد في المنزل واستبدلتها بتلك التي تباع جاهزة لدى المحلات المتخصصة في بيع الحلويات التقليدية والشرقية، مغيرة بذلك ملامح المجتمع الجزائري تحت لواء التقدم والعصرنة وضيق الوقت. فبعدما ارتبط العيد والتحضير له في ذاكرة الجزائريين بلمة الجارات وبنات العائلة الكبيرة و القريبات للتعاون على إعداد عدد كبير من صينيات طويلة من الحلوى التقليدية في أجواء تشبه أجواء الأعراس تساق بعدها إلى الفرن لتطهى بطريقة جيدة، كل هذا أصبح مجرد جزء من الماضي لا يمكن أن يرجع يوميا، كما قالت السيدة''زهور'' وهي في عقدها السابع متأسفة عن زوال تلك الأجواء. ماكثات بالبيت تقتنين حلوى العيد جاهزة ترى السيدة ''زهور'' التي لازالت محافظة على عادة تحضير حلوى العيد التقليدية بنفسها ولو بكميات قليلة،خاصة بعد زواج بناتها فلا يوجد من يساعدها على إعداد كميات كبيرة، ومع ذلك تقول أن لإعداد ربة المنزل الحلويات بنفسها نكهة خاصة تبعث الفرحة في نفوس أهل البيت، هي طريقة تعبر بها عن حبها لهم بتخصيصها جزء من وقتها الضيق في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل لتحضير لكل شخص منهم نوعه المفضل من الحلوى. وترى هذه السيدة أن المرأة العاملة اليوم لا تستطيع التفرغ لمثل هذه الأعمال التي تتطلب وقتا وجهدا فتلجا على سراء الحلويات الجاهزة من السوق أو حتى تطلبها من النساء المتخصصات في صنع حلويات الأعراس حتى وإن كنّ تغتنمن الفرصة لرفع الأسعار قليلا كطريقة للربح السريع، وعلقت عن الأمر قائلة'' حتى وإن كان لا يجب أن نعطيهن عذرا غلا أنه يمكننا تفهم حال النساء العاملات في عدم قدرتهن على التفرغ لإعداد حلى العيد لأبنائهن وأزواجهن وقيامهن بشرائها جاهزة، أما أن نعلم أن هناك الكثير من النساء الماكثات بالبيت وصغيرات في السن تفضلن اقتنائها جاهزة، فهو مالا يستطيع العقل تقبله مهما كانت أعذارهن، لأن صنع الحلويات التقليدية يعد من بين أولى الأمور التي تتعلمها الفتاة المقبلة على الزواج عن أمها وجدتها ، وحتى تلك التي لم يسعفها الحظ في تعلمها عنهما يمكنها الالتحاق بأي امرة خاصة بتعليم فن صناعة الحلويات، فليس لهن عذر بجهل طريقة إعدادها ما دامت توجد فئة قليلة من النساء مع كثرة مشاغلهن تحرصن على إعداد حلوى العيد في بيتها وتعملن جاهدات على المحافظة على التقاليد". طوابير طويلة لدى المحلات انتقلنا إلى شوارع العاصمة متوجهين إلى محلات بيع الحلويات التقليدية والشرقية فوجدناها قد تزينت واجهاتها بشتى الأصناف والأنواع المشكلة بطريقة جد دقيقة وجميلة تجتذب جميع من يمر بها للتوقف برهة للتأمل والملاحظة. أما عن أسعارها فتتراوح بين 35 و 45 دج للحبة الواحدة أي أنها جد مرتفعة إذا ما فكر الإنسان في اقتنائها للعيد علما أن ملأ طاولة القهوة صباح العيد لاستقبال الأهل والأحباب يتطلب احتوائها على الأقل على 15 حبة من كل نوع، فتكلف بذلك أكثر بكثير مكن تكلفة إعدادها بالبيت. ومع ذلك لمسنا الطلبات المتزايدة على بعض الأنواع كالبقلاوة والمقروط بأنواعه والتشاراك وحتى الغريبية مع أنها سهلة التحضير ولا تتطلب جهدا أو وقتا، من طرف بعض السيدات دون أن تجدن حرجا في ذلك. اقتربنا من أحد أصحاب المحلات لاستطلاع مدى إقبال المواطنين على اقتناء حلويات العيد، فعلمنا منه أن الإقبال يتزايد على حلوياته سنة بعد أخرى ما يضطره على استقدام فريق عمل إضافي من التلاميذ المتمرسين فبعض المدارس الخاصة في الأيام القليلة لرمضان لمساعدة صانعي الحلويات على الانتهاء من الطلبيات الكثيرة في وقتها المحدد، حاولنا معرفة الفئات الاجتماعية التي تقصد محله، فقال: ''تقصدنا الفئة متوسطة الدخل من السيدات العاملات اللائي لا تجدن وقتا لإعداد الحلويات، كما تأتينا طلبيات من عائلات غنية تبحث عن إبهار ضيوفها بتزيين مائدة العيد بأنواع جميلة وفاخرة من الحلويات التقليدية ، فاقتناء حلويات العيد الجاهزة صار طريقة للتباهي بين بعض العائلات من الطبقة الغنية، فتجدهم في سباق لاقتناء حلوياتهم من أرقى المحلات وأفخمها". ورغم كل ذلك يبقى للاحتفال بالعيد مكانة خاصة في قلوب الجزائريات، وإذا كانت بعضهن قد تخلين عن إعداد الحلوى بأنفسهن إلا أنهن لا ولن محافظات على بعض التقاليد كارتداء ملابس تقليدية أول أيام العيد مخصصات لخياطتها وتفصيلها كل الوقت الذي كان بإمكانهن تخصيص جزء منه لإعداد الحلويات.