رغم ما يقدمه مركز بيير وماري كوري بمختلف مصالحه من رعاية طبية متميزة لمرضى السرطان باعتباره الأول على المستوى الوطني والأكثر استقبالا للمرضى القادمين من أقصى بقاع الوطن للعلاج من مرض العصر.. الداء الخبيث الذي ما أن يسمع المريض عنه حتى تتردى معنوياته إلى الحضيض فيتساوى مع المرضى النفسانيين ليصبح في أمس الحاجة إلى التكفل البسيكولوجي بالموازاة مع العلاج الكيميائي. ليس من باب المبالغة، لكن من يدخل مركز بيير وماري كوري لعلاج الأورام السرطانية بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا يلمح بوضوح المعاناة النفسية للمرضى الذين تتشابه نظراتهم بحملها الكثير من الأسى والدهشة التي على ما يبدو تستمر لفترات طويلة لتلقي بظلالها على صحة المريض الجسدية من ناحية والحالة النفسية لأهله وذويه الذين يتعبون لتعبه ويتجرعون كأس ألمه من ناحية أخرى، خاصة وهم يعرفون أنه ليس بوسعهم فعل شيء للتخفيف من عذابه إلا بالكلمات، وإن كان لهذه الأخيرة وقع كالسحر على نفسية المرضى الذين هم في حاجة إلى سماع كلمة طيبة تزرع في نفوسهم بصيص الأمل وتشعرهم بأنهم لا يواجهون مصيرا مجهولا بمفردهم. لكن على ما يبدو أن هذا الأمر لا زال بعيد المنال في أكبر مركز لعلاج السرطان ببلادنا نظرا للغياب الواضح ليس للأخصائيين النفسانيين لأنهم موجودين كما وعددا. لكن لغياب دورهم الفعال في مواساة المرضى ورفع معنوياتهم، ربما قد يكون السبب في رأي الأغلبية هو توافد أعداد هائلة من المرضى إلى جميع مصالح المركز وربما لأن أغلبهم لا يطول مكوثهم إلا أياما معدودة. لكنها وإن كانت لا تختلف عن يوميات الأخصائيين النفسانيين المتواجدين على مستوى المركز، إلا أنها غير كل الأيام في حياة المرضى، بل أنها من أحلك الأيام التي قد تمر على أي شخص، خاصة منهم من خضعوا لجراحة استئصال عضو من أعضائهم كما هو الحال بالنسبة لمريضات قسم أورام الثدي. ------------------------------------------------------------------------ ''! فقر ومرض... صدمات وغربة'' ------------------------------------------------------------------------ من خلال جولة بهذه المصلحة لم يكن بإمكاننا سوى التعليق عن الكم الهائل لنساء وفتيات في عمر الزهور فاجأتهن أورام السرطان في الظهور دون سابق إنذار، منهن من تفطن بحكم الوعي مبكرا لظهورها، ومنهن من تركن الداء يستفحل والورم يولد أوراما أخرى حتى استحال معه مجرد العلاج أو الكي، بل كان البتر هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حياة مريضات أغلبهن تعدين سن الخمسين، لكن منهن من لم تتجاوز العشرين. ,''ف ر'' فتاة في ربيع العمر لم تتجاوز الثانية والعشرين دخلت في بحر هذا الأسبوع إلى مصلحة أورام سرطان الثدي، وكانت تتوقع ألا تتعدى العملية الجراحية استئصال الورم السرطاني من نهدها، لكنها استيقظت من التخدير على كابوس بتره كاملا،، كم كانت فاجعتها كبيرة وهي التي تتأهب لإحياء زفافها بعد رمضان. والأفدح من كل ذلك أنها تلقت صدمتين لا واحدة فالزوج الذي ظل يحلم معها بعش الزوجية استجاب لرغبة أهله وقام بتطليقها وهي في المستشفى، لم يرحم ضعفها ولا قلة حيلتها ولا فاجعتها، وكانت بأمس الحاجة إلى العلاج النفسي المكثف، لكنها لم تحصل عليه من طرف الأخصائيين، بل كان التفاف المريضات اللواتي توافدن على قاعتها لمواساة جرحين أحدهما خطه القدر ولا مرد له، لكن الثاني رسمت خطه أيادي حبيب تحول إلى جلاد أهم ما خفف عنها نوائب الدهر التي أصابتها وهي في عمر الزهور. أما ''س ق '' سيدة تناهز السابعة والثلاثين من العمر، فقد كانت حالة خاصة في هذه المصلحة وبحاجة أيضا إلى التكفل النفسي الذي لم تجده منذ أن وطئت قدماها المصلحة، خاصة وأن كل أهلها وذويها يقطنون في أقاصي المدية ولا يملكون حتى إمكانية الحضور إليها فظروفهم الاجتماعية جد صعبة. أما هي فتقطن رفقة زوجها في ''الروفيقو'' بضواحي البليدة، وهو الآخر لم يكلف نفسه عناء زيارتها ولا مرة واحدة رغم أنها أجرت عملية استئصال ثدي، لكنها بدت في غاية التماسك وأظهرت شجاعة منقطعة النظير أدهشت بها من حولها، بل وأكثر من ذلك كانت هي من تحاول التخفيف عنهم بنكتها وروحها الخفيفة، لكن كل ذلك الصبر والجلد لم يكن سوى السكون الذي يسبق العاصفة، فبمرور ثلاثة أيام دون زيارة أحد، لا أهل، لا زوج، لا أخصائيين نفسانيين، انفجرت بالبكاء والنحيب على حالتها ولم يستطع أحد إسكاتها. حالات كثيرة التقيناها اجتمع فيها الفقر والمرض والغربة، غربة البعد عن الأهل والأولاد فمن وادي سوف إلى بسكرةوالمدية، وعين بسام التقت مريضات لا يجمع بينهن شيء سوى قاسم المرض وأي مرض تكبدوه دون رعاية نفسية كانوا في أمس الحاجة إليها طيلة أيام إقامتهم.وما يحز في النفس أكثر هو جهل هؤلاء المريضات حتى بوجود هذا النوع من الخدمات النفسية التي لا أعتقد أنها مهمة في أي قسم آخر بذات القدر . ------------------------------------------------------------------------ ''سرطان الثدي الأكثر فتكا بالجزائريات'' ------------------------------------------------------------------------ يعتبر سرطان الثدي السبب الأول لوفيات الجزائريات، حيث يتم تسجيل ما بين 4000 إلى 7000 حالة جديدة سنويا وتتراوح الإصابات به بين 24 و26 ألف حالة لكل 100 ألف امرأة وهو عدد كبير دفع بأخصائيي مركز بيير وماري كوري إلى دق ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة، ذلك لأن قسم أورام الثدي يعج يوميا بمئات الحالات القادمة من كل أقطار الوطن في مختلف الحالات أغلبها تصل متأخرة أي في المراحل الأخيرة من تطور المرض. وحتى وإن لم تكن كذلك فإن اكتظاظ قوائم المواعيد يجعلها تتأخر في الحصول على الرعاية اللازمة، لأنه من الصعب جدا الحصول على سرير بالمركز لاستئصال ورم أو ثدي واحد أو كلاهما إلا بعد أن يكون الورم قد انتشر واستحالت محاصرته. والحقيقة أن المشكل لا يكمن في المركز أو في الأساتذة الساهرين عليه أبدا وإنما في قلة الإمكانيات المتاحة أمامهم وفي عدد الأسرة، لأنهم هم بدورهم يطالبون وفي كل مناسبة بتجهيز مراكز أخرى وعلى مستوى كل الولايات لاستقبال أعداد المرضى الوافدين بصفة يومية من كل حدب وصوب. كشف البروفيسور كمال بوزيد مؤخرا عن تسجيل 3216 حالة سرطان على مستوى مركز بيير وماري كوري في سنة ,2007 منها 1254 حالة سرطان للثدي، حيث يحتل هذا الأخير المرتبة الأولى في مجموع السرطانات التي تصيب المرأة . وقد أكد البروفيسور بوزيد رئيس مصلحة أورام السرطان بالمركز على أنه لم يتم التوصل بعد إلى الأسباب الحقيقية لسرطان الثدي بالجزائر، إلا أن نسبة 10 بالمئة من مجموع الإصابات وراثية . كما عرض خلال مداخلة أدلى بها في اليوم الدراسي الذي نشطه بالمركز منذ فترة آليات العلاج الذي أكد أنه مجاني ويوازي نظيره في الدول المتقدمة. وأوضح أن الجزائر لها أجهزة متطورة، إلا أنها تحتاج إلى تحكم أكثر، خاصة من أجل الكشف المبكر للورم، خاصة وأنها تحصي سنويا تزايدا في عدد الإصابات، ففي حين كان عدد الإصابات في 199 لايتجاوز 300 حالة تم تسجيل في 1254 حالة في 2000وفي حالة الكشف المبكر عن سرطان الثدي فإنه يتم علاجه في 65 بالمائة من الحالات مع زيادة في أمل الحياة بخمس سنوات. ويُكلف علاجه 400 ألف دينار لكل إمرأة. وتموت ثلاث مريضات من أربع قبل إتمام العلاج. فالتجهيزات الضرورية للعناية الطبية بالمرضى تبقى غير كافية . إذ لا يوجد في الجزائر سوى 50 جهازا عمليا لتصوير الثدي. وتشتكي أغلب الوافدات على المركز من عناء السفر بعد إجراء الجراحة ومتابعة جلسات العلاج الكيميائي، خاصة مع ما ينجم عنها من توعك صحي يصيب المريضات أحيانا بالإرهاق وبنوبات من الصداع الشديد والقيء... إنها معاناة حقيقية لربات أسر هجرن بيوتهن وأسرهن مدة قد تصل إلى شهور ليمكثن بالعاصمة بجوار المركز الذي يثقن في أخصائييه. هذا بالنسبة لمن وجدن مأوى عند أحد أقاربهم بالعاصمة، لذلك تجد معاناة المريضات في الغالب مزدوجة، ولكن ينطبق على أغلبهن المثل القائل ''إذا عمت خفت'' لذلك تجد المريضات يتبادلن أطراف الحديث عن تجربة المرض وعن ظروف الحياة وغالبا ما تنشأ في هذا المركز الصداقات التي تجمعها الظروف المتشابهة. لكن إذا ما حدث مكروه لإحدى المريضات وإذا ما حدث وأن فارقت الحياة وهو أمر مألوف فالكثيرات لا يمهلهن القدر حتى إنهاء العلاج حتى يفارقن الحياة، ساعتها تلاحظ حالة من الإحباط تصاب بها بقية المريضات.