يتفق معظم السياسيين عبر العالم على أن التنشئة السياسية تأخذ نواتها الأولى من الأسرة، فإذا تلقى الفرد تنشئة سياسية سليمة فسوف يصبح قادرا على إصدار القرارات الصائبة في مجتمعه ودون تردد، وهو هاجس المسؤولين الكبار في العالم بأسره كما أن الأسرة وحدها لا تكفي تلقين مبادئ التنشئة السياسية كلها إلا إذا كان هناك توافق بينها وبين المدرسة والمجتمع على حد سواء، في عملية التلقين. ولعل الشيء الذي يجهله الكثير من الناس هو أن ل '' العلم '' دور كبير في التنشئة السياسية والوطنية إن لم نقل أنه المحدد الأساسي والرئيسي لها. وتجدر الإشارة إلى توضيح ما قلناه فالشعب الاسرائيلي مثلا يعتبر من الشعوب المحبة لوطنها حد النخاع، رغم أنه شعب يفتقد لوطن أصلي وكل هذا راجع إلى التنشئة السياسية التي نموا عليها منذ أن كانوا أطفالا والمتمثلة أساسا في الحب الشديد لعلمهم وفهم معناه، إذ يحمل في طياته قيام دولة اسرائيل العظمى، هذه الفكرة إذا حللنها سيميولوجيا وجدنا أن الشعب الاسرائيلي دهن مدارسه باللون الأزرق نظرا للون الطاغي على علمهم وهذا قانون لا يجب أن يخالفه أحد، خصوصا وأن وزارة التربية في اسرائيل تصر عليه، وإذا كان هذا ما يحدث في المدرسة، فلنا أن نتصور التربية الأسرية التي ينالها هؤلاء الصغار. في الجزائر استقبل العديد من المواطنين الالتفاتة الطيبة من قبل السلطات الجزائرية إذ تم الإعلان يوم 14 جوان الفارط على افتتاح حملة شعارها '' علم في كل بيت '' قصد غرس الروح الوطنية وسط العائلات الجزائرية عامة، ولدى شريحة الأطفال والشباب منهم خاصة. الروح الوطنية التي بدأت تتلاشى، فمنذ فازت الجزائر بالكأس الافريقية مطلع التسعينيات بملعب 5 جويلية الذي اكتظ عن آخره، وتلونت مدرجاته بألوان العلم الوطني، ومنذ ذاك صار يعتقد الشاب الجزائري كلما حلت مناسبة من مناسبات مقابلة الكرة المستديرة أنه من اللائق جدا حمل الأعلام الغربية والأوروبية على شاكلتها. وغاب العلم الجزائري عن مباريات الفرق المحلية، وأصبح علم الأندية هو الطاغي على مباريات البطولة الوطنية سواء الأولى أو الثانية، ووصل الأمر إلى أن المناصرين أتوا على تشجيع لاعبي الأندية الأوروبية، التي اختاروا أن يطلقونها على بعض لاعبي الفرق الوطنية، تفضيلا منهم للغرب، وما هذا سوى دليل على غياب التنشئة الأسرية المبنية على الروح الوطنية في مجتمعنا، إذا علمنا أن هناك بيوتا تفتقد أصلا للعلم الوطني. وبهذه المبادرة صار ممكنا جدا أن يمتلك كل جزائري محب لوطنه راية بلده بألونها الزاهية، بعدما سبقه في ذلك ارتفاع النشيد الوطني كل صباح ومساء بالمدارس الجزائرية وسط صغارنا، والجزائر اليوم تستعيد أكثر من أي وقت مضى رموزها الوطنية، وتحيي الروح الوطنية في نفوس مواطنيها.