من جملة ما أثارني في قمة شرم الشيخ التي دعا إليها الرئيس مبارك، عقب قمة الدوحة التشاورية وبعيد ساعات من خطابه الذي ''أمر'' فيه الصهاينة بوقف فوري وعاجل لإطلاق النار، حيث استجابوا له في ظرف قياسي لم يتعدى الست ساعات، إطراء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على دور الجامعة العربية، مثمنا لها ذلك، ومبديا تعويله عليها في أدورا مستقبيلة، وسط حضور دول ما يطلق عليه بمحور ''الاعتدال'' العربي، أو بعبارة أدق المحور المتغيب عن وقفة الجمعة في قطر، فضلا عن تمثيل أوروبي رفيع المستوى، دون أن يكون كرسي الدولة الفلسطينية المأمولة فارغا هذه المرة على غرار ما حدث قبل أيام في الدوحة. ومن حقنا أن نتساءل عن ماهية الدور المثمن والمأمول من الجامعة العربية على لسان مؤسس الاتحاد من أجل المتوسط، في الوقت الذي عجزت فيه عن لم شمل بعضها، والخروج بموقف واحد موحد بخصوص العدوان الصهيوني على قطاع غزة، في سيناريو مكرر لما حدث ذات يوم مع العدوان على لبنان قبيل سنوات، حين انقسم الصف العربي بين مدعم للمقاومة، وبين محمّل للضحية أسباب وآثار تصرفات الجلاد، في معادلة طرفاها ''مغامرة غير محسوبة'' و''صواريخ عبثيةس. جامعة عربية تنتقد حضور إيران وتركيا والسينغال في قمة الدوحة، وتتهمها ببيع القضايا القومية، وإشراك العجم من فرس وأتراك في شؤوننا القبلية -عفوا- القومية، في حين يحضر إلى شرم الشيخ من تعرفون... جامعة عربية يرفض عرابوها تدوير الأمانة العامة على الأعضاء، وتلح إصرارا على حصرها في يد قاهرة ما بعد كامب ديفيد، كما ألح جلادوا هذا العالم على رفض أية وساطة في القضية الفلسطينية غير الوساطة المصرية، التي تظهر انحيازها لطرف فلسطيني دون آخر جهارا نهارا، وتتعامل مع فصائل المقاومة كما كانت تتعامل بريطانيا وإيرالندا الشمالية مع منظمة ''الإيرا'' قبل الاتفاق، وكما تتعامل حكومة مدريد مع منظمة ''الإيتا'' الباسكية، وكما تتعامل فرنسا الساركوزية مع جبهة تحرير كورسيكا رغم تباين سياقات التاريخ والجغرافيا. ولو جاء هذا الكلام من آخر غير ساركوزي وأمثاله لأمكننا تصديقه، لكن يبدو أن ساركوزي قد أطلق آخر رصاصة رحمة على الجامعة العربية في ضمائر الشعوب العربية، إذ بدا أن الدور المعول عليه من الجامعة العربية هو الاستمرارا في العجز، والسير عكس تيارات الجماهير العربية، والبقاء رهينة لمواقف وسياسات بعض الدول العربية التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولتذهب العشرون دولة المتبقية لتشرب مياه البحرين الأحمر والأبيض.