"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " نفتتح موضوعنا بقوله عز وجل لأنه لا يوجد أجمل من الله خلقا، فالإنسان خلق سويا ولا شيء يشوه هذا الخلق السوي إلا الحوادث أو الكوارث الطبيعية أو الحرائق التي تشوه خلق الإنسان وفي هذه الحالة تكون عملية التجميل واجبة ومشروعة بشرط أن لا تؤدي إلى ضرر أكبر ..وما عدا هذه الحالات تعتبر عمليات التجميل محرمة شرعيا لأنها في هذه الحالة تعتبر تغيرا في المظهر الذي خلقنا الله عليه ...ماذا تغير في العالم العصري؟ لماذا يجد أشخاص أكثر فأكثر أنفسهم بين يدي الجراح لإجراء تغييرات في أجسامهم ووجوههم؟.. منذ زمن غير بعيد كان الطب والجراحة التجميلية ضربا من "الطابوهات" لدى مجتمعنا الجزائري، إلا أنه سرعان ما تغيرت النظرية وأصبح المواطن الجزائري - خاصة الجنس اللطيف – الذي يفكر بجدية في طريقة لإزالة ما خلفه الزمن من آثار على الوجه والجسم كافة، حيث أنعش بمجاراته لهذه العمليات التي بصورة ملفتة للنظر إلى ظهور عيادات خاصة مختصة في هذا النوع من الجراحة. عمليات تختلف والهدف واحد.. وفي هذا الشأن انتقلت يومية الاتحاد إلى إحدى عيادات التجميل بباش جراح، حيث لاحظنا من أول وهلة سلالم العمارة المهشمة، وأرضيتها الهشة، وجدران العيادة المتصدعة ،وسقفها المهترىء، إلا أن المكان ورغم إثارته للاشمئزاز كان يعج بالنساء والرجال معا ! قامت الاتحاد بأخذ تذكرة الدور من الممرضة على أننا احد المرضى الذين يريدون استشارة حول إجراء عملية جراحية، وبعد تجاذب أطراف الحديث صرحت لنا لويزة أستاذة ثانوية والتي حديثها كان بالملايين ولا مكان للآلاف حيث قالت أنها تشمئز من رؤية أنفها في المرآة حيث خضعت لعمليتي تجميل وكل منهما كلفت 30.000 دج إلا طول أنفها لا يزال يضايقها، ويجب أن تعاود الثالثة. ولكن الشيء الذي لاحظناه فيها هو أن أنفها كان جد طبيعي ولا يزيد طوله عن أي أنف طبيعي إلا أن هوس الجمال أثار جنون بعض النسوة ك" سوسو "، هكذا عرفت على نفسها فتاة في الخامسة العشرين جاءت من أجل وضع بض شامات "Grains de beauté " على وجهها ورقبتها.أما منيرة 39 عاما فجاءت لتشفط بعض التضاريس من على جسمها على حد وصفها وقالت أنها مستعدة لدفع أي ثمن، المهم هو استرجاع الرشاقة التي زال مع تكرار الولادة، مؤكدة هذه الجراحة تسمى "الجراحة التكميلية" كما أفهما الطبيب صاحب العيادة التي تواجدنا فيها، وعن المخاطر التي تنتج جراء عملية كهذه تقول منيرة " لقد أكد لي الطبيب، أنها ستكون سهلة وبسيطة، وقيمتها لا تتعدى 50.000 دج " "الدراهم اللي يدخلوا ما يعاودوش يخرجوا" أما نرجس فتقول أن اليوم جاءت لتسترجع عربونا كانت قد دفعته للطبيب، وبعد دخولها احتدم الشجار بينها وبين الطبيب الذي رفض إعادة العربون لها قائلا" لست مسؤولا إذا غيرت رأيك، فالمال الذي يدخل العيادة لا يسترجع إما خضع المعني للعملية أم لا " وطلب من الممرضة إخراجها من العيادة على الفور.تخرج واحدة وتدخل أخرى حتى مر حوالي عشرين امرأة حتى دخل زبون جديد، نعم رجل خمسيني، تحدث مع الممرضة عن كلفة عملية شد وإزالة التجاعيد، فطلب منه الممرض أن ينتظر دوره ويدخل للدكتور الذي سيخبره كل شيء عن العملية، وبعد خروجه تبعته الاتحاد أسفل العمارة وسألته عن كلفة تلك العملية فقال أن الطبيب طلب 100.000 دج، وهو مبلغ جد زهيد بالنسبة للعيادات التجميلية المتواجدة بالأحياء الراقية كحيدرة، وسعيد حمدين والأبيار... وعن سبب قيامه بتلك العملية، يقول أكل مني الدهر ولم ألتفت لحياتي حيث بقيت أعمل في الصحراء لما يزيد عن عشرين سنة، والآن أريد الزواج من فتاة في التاسعة والعشرين ولكن قبل أن أتقدم لخطبتها طلبت مني أن أقوم بعملية شد للبشرة وذلك لإخفاء التجاعيد التي غطت وجهي، وحبي لها جعلني أتقدم لأقوم بعملية تجميلية" حمى الجمال تتفشى بين الجنسين نعم ..انتقلت عدوى عمليات التجميل بين الجنسين على حد سواء بصورة كثيفة، وتعتبر فئة الكهول هي الأكثر إقبالا على إجراء عمليات التجميل، رغم تحذيرات الأطباء بعدم إجراء عمليات في سن ما فوق الخامسة والثلاثين خوفا من الجلطات والأزمات القلبية. ويميل كبار السن من الرجال دائما إلى إجراء عمليات شفط الدهون وزراعة الشعر وتفتيح البشرة، وعمليات إزالة التجاعيد من الوجه هي الأكثر انتشارا.غادرنا عيادة ذلك الدكتور وكلنا حسرة على هؤلاء الذين يريدون التغيير في خلق الله دون وجود سبب وجيه أو تشوه معيب يستدعي القيام بمثل هذه المجازفة، والأهم من ذلك ثمة أسباب عديدة لمعارضة عمليات التجميل منها الأسباب الدينية، الكلفة المرتفعة للعملية، المخاطر الطبية، وكذلك خطر ألا تكون النتيجة كما يرجى. إذا كانت العلة نفسية فلن تحلا العملية التجميلية أما الاعتراض الآخر فهو مبدئي أكثر، ويطرحه معارضون لعملية لا لزوم طبيا لها بل هي اختيارية، إذ تعتبرها صفية أستاذة علم النفس غير ضرورية، إذا لم يكن هناك خطر صحي، تقول "فلا سبب للجراحة، وإذا كان الإنسان يعاني من مشاكل نفسية بسبب مظهره، فعليه العمل لحل مشاكله، لا التفكير أن العملية ستحلها، ثمة عدد كبير من النسويات اللاتي يعتقدن أن صناعة التجميل ولدت خطأ، وهي ناتج مجتمع ذكوري يملي على النساء نموذج جمال ضيقا حيث أن نحو 80% من العمليات التجميلية يجرى على نساء.وتضيف ذات المتحدثة "تنطوي أي جراحة تجميلية على القيام بعمل جراحي ينفذه طبيب متخصص في الجراحات التجميلية والترقيعية لتحسين مظهر احد أعضاء الجسم، والواقع ان الجراحة التجميلية لا تحسن مظهر الجسم فحسب، بل يمكنها أيضا أن تؤثر على الناحيتين النفسية والوجدانية لدى من يخضعون لمثل تلك الجراحة التي تكون اختيارية في معظم الأحوال، فمن الممكن لعمليات تكبير الصدر أو شد الوجه أن يكون لها تأثير كبير على مستويات تقدير المرأة لذاتها ومدى ثقتها بنفسها، والواقع أن جميع أنواع العمليات الجراحية تنطوي على مخاطر، والجراحات التجميلية ليست مستثناة من تلك القاعدة، وأول المخاطر المتعلقة بالجراحة التجميلية هو خطر الخضوع للعمل الجراحي بحد ذاته، بينما يشكل التخدير الخطر الثاني في الترتيب والخطر النفسي الخطر الثالث" .وفي ذات الشأن يقول الدكتور مجبول صالح طبيب تجميلي "تختلف مخاطر الجراحة التجميلية من شخص إلى آخر كما أنها تختلف أيضا حسب الإجراء الجراحي الذي يقرره كل من المريض والجراح، وعلاوة على ذلك فإن الجوانب والتاريخ المتعلق بصحة المريض هي أمور تنطوي على أهمية هائلة، فعلى سبيل المثال فإن المرضى الذين يعانون من أمراض معينة كالسكري أو من يدخنون بشراهة يكونون معرضين أكثر من غيرهم إلى مخاطر الجراحات التجميلية في المواقف اللاحقة للعملية. وعلى الرغم من أن المخاطر أو العواقب السلبية المرتبطة بالجراجات التجميلية أو الناجمة عنها قد باتت تعد حالات نادرة في الوقت الراهن، فإنه ينبغي على كل فرد أن يدرس بجدية كل المخاطر والمجازفات المحتملة التي قد تنطوي عليها الجراحة التجميلية" حسبه. فتيات الإعلام.. دمى محشوة سليكون ويرى خبراء علم الاجتماع أن الصورة المنتشرة لفتاة الإعلان الطويلة والممشوقة القوام، هي وراء انتشار جراحات التجميل في المجتمعات العربية المحافظة. وفوضى جراحات التجميل لا تزال منتشرة في مجتمعنا عموما والوسط الفني خصوصا، هذا الوسط الذي يرضخ أولا وأخيرا لطلبات السوق الاستهلاكي، ويكرس أنماطا قد تكون غريبة عن المفاهيم والقيم العربية، لكنها موضوعة تحت الأضواء التي تبهر كل من أحب بريقها، أو جذبه سحرها. رغم ذلك، ثمة مخاطر عويصة... وتقول د هني فازية "مثل أي أمر في العالم، فإن صناعة العمليات الجراحية المزدهرة لها وجه قبيح أيضا، فأكثر من مرة، وجدت نساء طلبن تكبير صدرهن أنفسهن دون ثديين، مع تمزقات في الغرسات، مع غرسات لم توضع في مكانها، مزقت أو أزيحت من المكان الذي كان يجب أن تكون فيها، ما أنتج تشويها للمعالجات، وحتى خطرا على حياتهن. "وولتر يؤو" أول جندي بريطاني يخضع لعملية تجميلية بدأ ظهور جراحة التجميل في المجتمع الغربي عام 1827. في تلك السنة، أجرى طبيب يدعى د. جون بيتر ميتاؤور العملية التجميلية الأولى في الولاياتالمتحدة باستخدام أدوات طورها بنفسه.جاء دعم كبير لعمليات التجميل من مصدر غير متوقع – الحروب، ففي الحرب العالمية الأولى، كان على ذوي اختصاصات الطب والجراحة أن يتعاملوا مع إصابات مثل حروق بدرجة مرتفعة، إصابات تؤدي إلى تشوهات في الوجه، وإصابات أخرى لم يواجهها الجراحون من قبل ناتجة عن أسلحة اعتبرت حينذاك جديدة وغير مألوفة. لم تكف المعلومات المتوفرة عن الجراحات للعناية بالإصابات، ما اضطر الجراحين إلى البحث لإيجاد حلول بأنفسهم بشكل فوري. كان ما فهموه حينذاك أن المظهر الخارجي هو عامل هام في تعافي مصابي الحرب. من الأبحاث والتسجيلات التي بقيت من تلك الفترة يتعلم الجراحون العصريون حتى اليوم. أما الجراحات التجميلية بشكلها الحالي فبدأت في الستينات، ولا يزال هذا المجال يتطور ويتوسع منذ ذالك الوقت.