قضية تحرير الأراضي من المُستعمر قضية واجب شرعي وضرورة بشرية وليس سياسية وتاريخية فقط كما يتصوّر البعض ولا يتقدّم لهذه الفريضة والضرورة إلاّ المكلّف بها والّذي يقع عليه العدوان ويعيش مرارة الاستعمار. فكلّ الأحرار والأشراف في وطننا العربي قاموا بواجبهم وزيادة من منطلق رفض الظلم والعدوان ولم يأذَن لهم أحد بذلك بل حبُّهم لدينهم ووطنهم استنهضهم ودفعهم لهذا الجهاد والتّحرير، وعندما اسُتعمرت الجزائر المسلمة وغيرها من أوطان المسلمين لم ينتظر الشعب الجزائري التّحرير والاستقلال من السّماء ولا من تحت الأرض أو زعيمًا من خارج الوطن يُحرّر بل تقدّمَت في أرض الجزائر الشّاهدة قوافل المجاهدين المقاومين عبر الحقبة الاستعمارية تترى على التّحرير والشّهادة تقودهم: العقيدة، السيادة والإرادة لاستقلال وطنهم يجاهدون بأنفسهم وأموالهم، وكانت البداية مع الأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر مع الاستعمار الفرنسي والعلامة عمر المختار في ليبيا مع المستعمر الإيطالي وعبد الكريم الخطابي في المغرب ويوسف العظم في سوريا كانوا يجتمعون بوجدانهم وضمائرهم على تحرير أوطانهم من منطلق العقيدة والسيادة والإرادة والتّعاون لأن المسُتعمر سرطان متشعّب ومتنوّع ولكنّه له هدف واحد أنّه قاتل ومدمّر للحياة. بهذه الرؤية لا يجب التّفريط في سيادية الجهاد والاستقلال بفتح فجوات سياسية في حصن التّحرير والحرية. فالاستقلال في الجزائر مخضّب بالدماء وقد بلغ عدد الشهداء موقعًا قلّ مَن يصله وهذا ليس إنقاصًا من قيمة دماء الشُّهداء في وطننا العربي والإسلامي وإنّما لكي لا يقع مَن وقف مع جهاد الجزائر بالأمس من أشقائنا العرب في مزايدات لا يسعها ولا يمكنه إثباتها بل مستحيل حتّى من باب الافتخار والانتساب للتحرير. الجزائريون لا يتنكّرون لدعم ومساندة إخوانهم العرب والمسلمين والأحرار في العالم بل يفتخرون بذلك ويشهدون على ذلك وإنّما لا يريدون منهم القفز على التاريخ ودماء الشُّهداء المليون ونصف مليون، حيث كان في بعض بلاد العربية عدد سكانها آنذاك أقل من عدد شهداء الجزائر والجغرافيا فإذا كانت الأمور بالمن والأذى فهذا قد يدفع هذا إلى الحديث عن التّعويض فكما نطالب المستعمر بالتّعويض والاعتذار أخشى أن يأتي يومًا يطالب مَن ساندنا في الجهاد والتّحرير بالتّعويض عن زعم مساهمته أو أن نتنازل له عن شبر من سيادة وطننا أو نعطيه حق الشفعة أو الأولوية في الاستثمار لعلّه يعوّض عن الزعم الموهوم في تحرير الجزائر أو يطالب بوسام المجاهد الكبير أو المحرر العظيم للشعوب. نحن شركاء في بناء أمّتنا العربية والإسلامية ووحدتها وتصفية الاستعمار فيها مهما كانت طبيعته وفي الوقت نفسه سادة في استقلال وطننا وتحريره وشهداءنا أعظم برهان على ذلك وكفانا أوهامًا وتزلّفًا في خدمة الغرب.