كان التجار يتأففون ألف مرة ويدخلون في سجالات كلامية لما يعطيهم الزبون أوراقا نقدية ''مقطعة'' أو عليها شريط لاصق، وكانوا ''يكرّهون'' للزبون حياته قبل قبولهم تلك الأوراق النقدية البالية والقديمة. لكن تدور الأيام وتنقلب الآية وتصبح الأوراق النقدية الممزقة والمتهرئة عملة مطلوبة بكثرة، خصوصا من قبل التجار الصغار على خلفية رواج في السوق الوطنية لأوراق نقدية مزورة لم تسلم منها حتى بنوك الدولة. وبما أن التجار وأصحاب المحلات لا يملكون الخبرة ولا يتوفرون على الوسائل التكنولوجية للتحقق من نوعية الأوراق النقدية المسلمة لهم من طرف الزبائن، فوجدوا النجدة في الأوراق النقدية البالية التي تحوّلت لديهم إلى عملة محبوبة ومضمونة مائة بالمائة، لأنها بالنسبة إليهم أصلية وسالمة من يد التزوير والمزورين. ولم يعد التجار يبالون بتفقد هذه الأوراق النقدية البالية حتى ولو كانت ممزقة من أكثر من جهة، بل ويطلبون من الزبون الذي يقدم لهم ورقة ألف دينار أو خمسمائة دينار جديدة أن يعطيهم الأوراق النقدية البالية. هذه الصورة لا علاقة لها بالمثل الشعبي ''الجديد حبو والقديم لا تفرط فيه''، وإنما هي صورة تعكس كيف تسير الجزائر بالمقلوب. وهو وضع لا هو صحي ولا ايجابي ولا هم يحزنون، بقدر ما هو علامة على مرض خطير ينخر الاقتصاد الوطني في العمق. نقول ذلك لأنه منذ قرون خلت طرح العالم غريشام قانونه الاقتصادي الشهير الذي يقول أن ''العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.'' وهو ما تعيشه الجزائر بكل المعاني السلبية له. ولذلك انتعشت بورصة بور سعيد بشكل لم يسبق له مثيل، جراء تفضيل الجزائريين التخلي عن الدينار وتحويله إلى أورو أو دولار، من باب الضمان، بالنظر لوقوف دول قوية خلفه عكس الدينار الذي تعرض للتعويم والتنزيل والتهريب والتزوير في انتظار البقية. وعندما تتحول الأوراق النقدية البالية إلى مطارد للأوراق النقدية الجديدة والحديثة الطبع عند صغار التجار، فهو خطر ما بعده خطر؛ لأن ذلك يعني أن عملة البلد فقدت ثقتها عند أهلها، فما بالك عند الآخرين. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه دون الضرب بيد من حديد ضد عصابات المافيا والتزوير، فإن سمعة الدينار التي هي أصلا في الحضيض سيزداد وضعها سوءا، وستتحول إلى ''عملة القردة''. وهو الوصف الذي يطلقه الاقتصاديون على العملة التي فقدت قيمتها الفعلية، ولم تعد تعني شيئا كقدرة شرائية. وهو حال الدينار الجزائري.