آخر صيحة مؤلمة ل''بلال'' هي رسالة ''أس أم أس'' من هاتفه النقال، طالبا النجدة من عضو بمجلس بلدية المدية، يترجاه الوساطة من أجل تمكينه من عقد الاستفادة من ''مرحاض عمومي''.. أكرمكم الله، بغية الاسترزاق من تشغيله إن كانت في الحياة بقية بعد أن افترس مرض وراثي نادر الأب والأم وأربعة من أشقائه في أقل من 10 أعوام. تحول مدخل بيت بلال قيار، بنهج الإخوة صفار، بقلب أحد أقدم أحياء مدينة المدية، إلى معرض حزين يفيض أمام أي ضيف، بخردة كراس متحركة كانت لأفراد عائلة افترسهم مرض وراثي قاتل لا علاج له، إسمه ''مرض فريدريش''، وأعراضه موت تدريجي ينهش جسم المصاب إلى النهاية، ولا يسمح لصاحبه سوى بمعايشة الإعاقات وتطورها. ولذلك، تردد بلال حتى في النطق باسم علته التي لا طبيب لها سوى التمسك بعُرَى الخالق. عزاء بلال، 35 ربيعا، منها 13 سنة معاناة مع هذا المرض، أقساها خمس سنوات على كرسي متحرك أصبح مهددا بالتحطم تحت جسد بلال، بفعل اهتراء أجزاء منه، هو: بماذا يحفظ ماء وجه هذا البيت البائس، حيث يرعى عائلته الصغيرة التي تضم شقيقته، زوجته التي تعاني بدورها من إعاقة متقدمة في السمع، وابنيه، بمنحة اجتماعية لا تتعدى 4000 دج شهريا، ولا يحصل عليها إلا كل ثلاثة أشهر. فلجأ إلى الاسترزاق من طاولة لبيع السجائر تكاد محتوياتها لا تذكر، وجدناه يعرضها فوق كرسيه المتحرك بسوق الخضر والفواكه بالقرب من بيته، معرضا بذلك بقايا صحته للخطر في جو بارد وممطر. ''حتى أمتار الطريق التي أقطعها بين بيتي والسوق، تدهورت بفعل كثرة الحفر. ولما لم أعد قادرا على دفع كرسي المتحرك عبرها، اضطررت في غياب أي متدخل لمساعدتي إلى اقتناء الإسمنت والرمل على حسابي من أجل إصلاحها، للتمكن من تفادي السقوط من على هذا الكرسي''، يقول بلال بألم وصعوبة في النطق، وهو الذي اضطر، كما قالت زوجته، إلى الوساطة والمناشدات من أجل الحصول على قفة رمضان الفائت، وقبل أن تجف دموعه لفقدان شقيقه قبيل الشهر الفضيل، وبنفس المرض تاركا له ذكرى تتمثل في كرسي متحرك وجدناه مركونا بمدخل البيت. وحتى منحة التمدرس لم تمنح هذا الموسم سوى لابنته التلميذة بالمدرسة، بينما حرم منها ابنه بحجة تعدد المنح الاجتماعية. ضأما طلبه مساعدة اجتماعية للحصول على كرسي متحرك جديد وآمن من خطر الانكسار تحت جسده الضرير، يقول بلال بأن أول شرط للحصول عليه هو أن يكون عاملا، وهو الذي لا عمل له سوى طاولة السجائر تلك، في حين يبقى رجاؤه هو تلبية طلبه الموجه لمصالح البلدية من أجل تمكينه من الاستفادة من ''مرحاض عمومي'' متواجد بالسوق المغطاة للخضر والفواكه قرب مسكنه، لكن، بقي طلبه دون إجابة حتى الساعة، وبعد مرور شهرين على فتح ذات السوق التي تم ترميمها بغلاف مالي فاق السبعة ملايير سنتيم. والأدهى أن الوضع الاجتماعي المتردي لبقايا عائلة بلال، وأزمة السكن الخانقة التي يعانيها بتقاسم ذلك البيت الهش بين عائلته الصغيرة وعائلة آخر أشقائه من الورثة، زادت من إكراهات الحال، بتفجير نزاع قضائي مرير بين الشقيقين، يقول بلال إنه لا يستطيع الخوض فيه لأن صحته لا تسمح له بالتنقل كيلومترات على كرسي متحرك إلى مقر مجلس قضاء المدية لحضور جلسات التقاضي، ولا كيف يستطيع على كرسيه المتهالك صعود ونزول السلالم التي تقود إلى أروقة المحاكم، ولذلك ''سلم أمره لله''، كما قال. فلولا فظاعة الأحوال الاجتماعية وأزمة السكن الخانقة، لما تمزقت أخوة الشقيقين حول هذا البيت العائلي الهش. ولذلك، يجد بلال كل المبررات التي يعتبرها حقا لشقيقه في البحث عن أي مخرج لإنقاذ عائلته من الضيق، لكن إلى أين يذهب بلال بشقيقته وزوجته وابنيه في حال بيع هذا المسكن، كما يريد شقيقه؟ ص. س مرض فريدريش اسمه العلمي'' فريدريش أتاكسيا''، نسبة إلى الطبيب الألماني الذي اكتشفه عام .1863 كما يسمى أيضا ''رنح فريدريش''، وهو مرض وراثي قاتل ولا علاج له حتى اليوم، سوى تمهيله بواسطة العلاج الكيميائي، لتبطئة ضمور العضلات الناجم عن تدميره المستمر للجهاز العصبي للمصاب. وحسب علماء الطب، فهو ناجم عن طفرة خبيثة في الجينات الوراثية الموجودة في الكروموزوم التاسع، يرثها الجنين من والدين كليهما مصاب بنفس الجينة المعطوبة. وغالبا ما يتسبب المرض لصاحبه بالموت المبكر، ويصيب حسب الباحثين في علم الطب معدل إصابة واحدة من بين كل 50 ألف شخص من سكان المعمورة، وتتعدد أعراضه، بدءا بفقدان القدرة على التحرك العصبي في أطراف الجسم، إلى العجز في مختلف الحواس من سمع ورؤية ولمس واضطراب في الكلام، إلى وهن في عضلة القلب وضمور في العضلات، انتهاء على الأرجح بموت مبكر.