لمّا اشتدت حملة الروم على المسلمين في معركة اليرموك انهزم بعض المسلمين فزجرتهم المسلمات وأمرنهم بالعودة إلى القتال، فقد ذكر الحافظ ابن كثير ذلك بقوله: ''وكُنَّ المسلمات- يضربن مَن انهزم من المسلمين، ويقلن: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج؟'' فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتّى يرجع إلى القتال. قالت سعداء بنت عاصم الخولاني: ''كنت مع النساء يومئذ على التل، فلمّا انكسرت الميمنة صاحت بنا لُبنى بنت جرير الحميرية: يا بنات العربيات دونكنّ والرجال، فاحملن أولادكنّ على أيديكنّ، واستقبلتهنّ بالصياح والتّحريض، قالت: فأقبلت النساء يرمين الدواب بالحجارة. وجعلت ابنة العاص بن منبّه تنادي: ''قبّح الله وجه رجل يفر عن خليلته''. وجعلت النساء يقلن لبعولتهنّ: لستم بنا ببعول إن لم تمنعوا عنّا الأعلاج''، ونظرت هند بنت عتبة إلى أبي سفيان رضي الله عنهما وهو منهزم فضربت وجه حصانه بعمودها وقالت: ''إلى أين يا ابن صخر؟ ارجع إلى القتال وابذل مهجتك حتّى يمحص الله عنك ما سلف من تحريضك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم''. لله در أولئك المسلمات لا جزع ولا فزع ولا بكاء ولا صراخ ولا رغبة في الفرار بسبب شدّة حملة العدو، بل زجر المنهزمين ومنعنهم من الفرار وتحريضهم على القتال وحثّهم على الفداء والتّضحية. فلا تعيش أمّة في ذِلَّة كانت نساؤها كذلك.