عندما تمكنت الجماهير المنتفضة في مصر من تحييد قوات الشرطة وإجبارها على الاختفاء من المدن والتجمعات السكانية، لم تجد قيادة الحزب الوطني الذي كان ولم يعد حاكما لمصر من طريقة للتخلص من الظلام الدامس الذي أصبح يغلف مستقبل الحزب والنظام الحاكم في مصر، غير الاستنجاد ب''البلطجية'' الذين اقتحموا ميدان التحرير على ظهور البغال والجمال والأحصنة... وهو سلوك لا يعني سوى حقيقة واحدة وهي أن الدولة قد استقالت وتخلت عن مهمتها وحلت محلها قوة ''البلطجية''... والنتيجة التي تولدت عن هذه الذهنية وعن هذا السلوك وعن هذه السياسة معروفة ومجسمة ومجسدة في مصير حسني مبارك ونظامه. عندنا في الجزائر جندت السلطة ''جهازها التلفزيوني'' العمومي الذي دعاه رئيس الجمهورية منذ أسبوعين فقط إلى فتح استوديوهاته أمام الطبقة السياسية سلطة ومعارضة جندته السلطة للتهجم والاستخفاف بالداعين لمسيرة السبت الماضي وربما في السبوت القادمة، ولم تكتف بالقول إنهم أقلية وغير مؤثرين في الشارع الجزائري ولا يمثلون إلا أنفسهم، بل تساءلت عمن هم هؤلاء؟ وللواقفين وراء هذا السؤال والتساؤل وللمروجين له، بدءا من مقدمة نشرة الثامنة والصحفيين وغير الصحفيين الذين استجوبتهم اليتيمة وكل المجهولين الواقفين وراءهم، نسأل من منكم قدم والده للجزائر خلال ثورة التحرير مثلما قدم علي يحيى عبد النور؟ هل يعقل أن يقول أي كان من أبناء الاستقلال من الذين اقتحموا أو أقحموا في السياسة، من هو المجاهد علي يحيى عبد النور؟ ونحن هنا لا نتحدث عن عامة الناس، لأن الملايين من هؤلاء العامة يجهلون حقيقة الكثير من قادة ثورة التحرير... من الشهداء ومن الذين ما زالوا على قيد الحياة، بل نتحدث عن أناس وجدوا أنفسهم أو أوجدهم غيرهم في واجهة الفعل السياسي وفي هذا الظرف الحساس. أخطر من هذا... تصدى لمسيرة السبت الماضي شبان مثلما تصدى ''بلطجية'' الحزب الوطني في مصر للمحتشدين في ميدان التحرير، فحلوا بفعلهم هذا محل جهاز الشرطة، ولم يكتفوا بهذا بل طلبوا من علي يحيى عبد النور ومن معه أن يتظاهروا ب''حومتهم''. ولغير العاصميين نقول إن الحومة تعني الحي... لا شك أننا أمام سلوك بقدر ما هو سخيف فهو خطير. قد يقول قائل وقائلون إن هؤلاء الشباب تصرفوا بعفوية ومن تلقاء أنفسهم... لهذا ولهؤلاء... ننبه بأن هؤلاء الشبان كانوا ينادون بحياة الرئيس بوتفليقة وبسقوط أويحيى، فهل يفرق هؤلاء بين سياسة الرجلين، أم أن أويحيى يطبق سياسة أخرى غير سياسة بوتفليقة؟ إن الواقف وراء هؤلاء يلعب بالنار التي ستحرقه حتما في حالة حرقها لخصومه... فلننتبه ونحترم الدولة التي لن تبقى لها قيمة ولن تبقى واقفة إلا إذا حمت الجميع وحماها الجميع وظلت مخدومة من الجميع وخادمة للجميع. [email protected]