لا أحد باستطاعته إنكار أن رياح التغيير التي تعصف بالأنظمة العربية، في المدة الأخيرة، لم يصل زفيرها إلى الجزائر، والقائل بعكس هذا لا يمكن أن يصنف إلا في قائمة الذين رفع عنهم القلم، وهم مع الأسف موجودون في السلطة وزبانيتها، ويكفي أن نعود إلى تصريحات بعض الوزراء لتأكيد حقيقة ما نقول، فعندما يأتي الوزير ويصرح بأن ما يجري في الكثير من البلدان العربية لا يمكن أن يحدث في الجزائر، ثم يظهر في اليوم الموالي ليجتهد في شرح القرارات الاستعجالية المتخذة من قبل مجلس الوزراء لتهدئة الشارع وامتصاص الغضب الشعبي، فمعنى هذا أن السلطة تعيش حالة استنفار قصوى والمطلوب استباق الحركة الاحتجاجية والاستجابة بأسرع وقت ممكن وبأي ثمن إلى مطالب رفعتها السلطة إلى نفسها باسم الشعب عامة وفئة الشباب على وجه الخصوص، ثم استجابت لها، لينطلق بعد ذلك وزراء الحكومة الجديدة المنبثقة عن مجلس الوزراء الأخير وبلغة جديدة في حملة إشهارية غير مسبوقة، وفي رحلة اكتشاف مشاكل وطموحات وتطلعات الشباب، ليقف في النهاية الجميع على حقيقة مرة، هي أن البطالة عششت في أوساط الشباب وأن الأرقام الرسمية التي كانت تتحدث عن تراجع البطالة إلى عشرة بالمائة مجرد ''إشاعة رسمية''. أمام هذا الوضع لم يبق سوى فتح صناديق البنوك على مصراعيها، بعدما أغلقت طيلة عشرية كاملة في وجه الكثير من المستثمرين لتمويل مشاريع قد لا يستفيد منها بالضرورة من هم في أمس الحاجة إليها، ولنا ما نقول في هذا الصدد عن الشبكة الاجتماعية، وعن محلات الرئيس وعن قفة رمضان وسكنات ''عدل''، والقائمة طويلة وطويلة جدا، بعد أن أثبتت التجربة أن المستفيدين في كل مرة ينتمون إلى شبكات تتقاطع فيما بينها في مختلف دواليب السلطة بإدارتها وأحزابها وجمعياتها... في حين تتوقف أحلام الكثير من الشباب في الطوابير والملفات أو بالغرف المخصصة لعدها ودراستها والتدقيق في مدى استجابتها للشروط المعمول بها وليس المنصوص عليها قانونا. إن ما أقدمت عليه السلطة فيما يخص التشغيل وتجميد تطبيق بعض القوانين، وإلغاء قرارات وإصدار أخرى، لا يمكن أن يصنف إلا في خانة إجراءات استباقية لمرحلة استثنائية، الهدف منها امتصاص الغضب وتفويت الفرصة على المطالبين بالتغيير وبسقوط النظام. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل الإجراءات المتخذة كافية للانتقال من مطلب التغيير إلى الانخراط في ديناميكية جديدة ترجع الأمل إلى المواطنين... أقول ''لا''، لأن القرارات المتخذة، حسب تقديري، جاءت متأخرة وفي حالة يشوبها نوع من الابتزاز، وبالتالي لا فضل للحكومة في ذلك، بالإضافة إلى هذا يمكن اعتبارها حلولا ترقيعية وليست جذرية، وأخيرا وحتى إذا ما اعتبرنا أن السلطة استجابت إلى مطالب فئة واسعة من الشباب دون أن يساهموا لا من قريب ولا من بعيد في بلورتها، فإن الشيء الذي يمكن قوله في هذا الصدد، هو أن السلطة حاولت أن تستجيب ولو جزئيا لشق واحد من المطالب، في حين تستمر في إبعاد وتغييب الشق الثاني المتمثل في فتح فضاءات التعبير الحر وإعطاء الفرصة لهؤلاء الشباب للتنظيم بالشكل الذي يرونه مناسبا، وبفتح الطريق لهذا الجيل ليقرر مستقبله بنفسه، دون وصاية، لأن مطالب الشباب ليست اجتماعية فقط يا أهل الحكومة. [email protected]