الزيت والسكر..''بيت بيت.. دار دار''. السميد والفارينة..''زنفة زنفة.. فرد فرد''. في أول يوم من ربيع البرلمان الجزائري وفي يوم عودة النواب إلى المؤسسة، كانت لأعضاء من الحكومة دردشات مع الصحفيين، دار مجملها على وعود توزيع ''الخير'' والأكل. ليس على الهاربين من العقيد الفارغ إلا من الحقد على شعبه، وإنما على الجزائر التي دخلت ''النقاهة'' السياسية. قبلها بساعات وبأيام، كان حديث ''شيق'' يدور بين جزائريين. حديث تناول ما قد تحمله عودة البرلمانيين إلى المبنى، وما يمكن انتظاره منه من مواقف حول الوضع في الجزائر وأيضا في ليبيا التي أصبحت تشكل حدثا دوليا، بسبب سلوك زعيمها وعائلته، الذين يقومون بتنفيذ جرائم ضد شعبهم. إذا، عاد الطلاب إلى المدرسة وفضلوا التركيز على المقررات الرسمية التي تعرض عليهم، وبألا يخرجوا عن النص. فهم يدرسون ويجتهدون.. لنتركهم يراجعون في هدوء. وغير بعيد عن القاعة الرئيسية للبرلمان، كان أعضاء حكوميون يرسمون المستقبل السياسي للسلطة. وحسب ما فهمته من ''توضيحاتهم''، فإن السبل والطرق المؤدية إلى الديمقراطية الحقة، ستبقى مغلقة. فالسلطة تقول''لا حوار ولا نقاش ولا اتصال ولا تواصل، حول أحزاب جديدة أو حول منظمات وطنية ومهنية جديدة أو حول إعلام سمعي بصري جديد''. كل شيء سيبقى على حاله وأنه ليس هناك مكان للجديد. كما نفهم من كلام وزراء بأن الحديث عن الإصلاح السياسي هو من الكماليات وبأن الأولوية هي لاستراتيجية تموين سوق الجزائر أولا وقبل كل شيء وأي حديث عن السياسة والانفتاح، هو ''زهو من أولاد شبعانين''. ومن زاوية معينة، يمكن تفهم تخوفات السلطة من مطلب الإصلاح السياسي، لنتصور بروز أحزاب جدية، لا ترضى أن تلعب أدوار الناطق باسم عمال السلطة، أي باسم رجال النظام أو نقابات لا تقبل مساومة على تحسين رواتب وظروف عمال أو إعلام يفضح الفضائح بالصورة.. فما سيتغير هو مصدر المخاوف التي تعطي لعبارة ''لم يحن الوقت بعد..'' البعد ''الفلسفي''. فتأجيل الإصلاح السياسي، هو خط دفاع أخير وجب على المعنيين الدفاع عنه والدفاع عنه يعني الدفاع عن النفس. والمثير في القضية، أن ''الجزائر'' كحلم ومستقبل ليس لها اعتبار وإنما تم وضع الحساب وفق احترام بناء، يخدم استمرار نظام الاستقرار، من أجل استقرار النظام. لا ننكر دور الزيت والسكر في صنع سلم اجتماعي ولا تجب المبالغة فيه. لكن، من للسلم السياسي؟ إن الشبكة القائمة عاجزة عن معالجة مشاكل عامة. ويعبر الغليان في الجامعات، وفي المستشفيات وفي الإدارة عن علل. والتقاطع الذي تلتقي حوله مشاكل هذه القطاعات وأخرى، بالإضافة إلى الراتب وظروف العمل، هو انعدام الثقة. فكما يتعرض البرلمان والمجالس المحلية إلى كلام حول شرعيته، تتعرض أغلبية تمثيليات العمال والموظفين والمهنيين لاتهامات حول شرعيتها. ولا يتوقف الأمر هنا، فالمدارس والمعاهد تشكو التزوير في نتائج المسابقات. فمن ل''التزوير'' ومن للفساد المعنوي والمادي؟ لم تقض سنوات سياسة ''إشباع البطن'' على الجوع، بل زادت من تعداد الفقراء وأدت بشكل ما إلى تضاعف حالات تبديد المال العام باسم برامج واستثمارات.. ولأن تلك السياسة لا تعترف بتكافؤ الميزان، رفضت وجود رقيب وترفضه. فالمسؤول يرى نفسه هو الدولة. والدولة تجد نفسها ''مفخخة'' وملخصة في أفراد يقررون متى ''يحين الحال''، ومتى يكون''الحال فات'' أو يأمرون أنه ''لم يحن الوقت بعد'' لفتح أبواب أمام مشاركة الجزائريين في صياغة وصناعة حلم مستقبلهم. لقد صنعت الجزائر تعددية تغني في جوق واحد ومن يغرد بغير السمفونية، يجد نفسه خارج السرب. إلا أن هذه التعددية لم توفق في تطبيع الحياة، على الرغم من المزايا العينية والمعنوية ومن قال إن المال يحل كل المشاكل. وتواصل السلطة، من خلال الحكومة، تكرار محاسن أعمالها. وزادتها، في المدة الأخيرة، ببعض البخور المحلي الصنع. بخور يدعي الإصلاح والارتقاء منذ 1999واعتبار ما قبل هذا التاريخ بمثابة ''ما قبل التاريخ''. فعلى ماذا الخصام؟ هناك حكومات جاءت في زمن ''رخص'' النفط وأخرى في زمن ''غلائه''. والدنيا حظوظ.. إذا على ماذا الخصام؟ وطالما يباع النفط بسعر جيد، ستدخل مبالغ جيدة وستبقى الإصلاحات السياسة فاكهة استوائية، لا يجب تبذير رأس مال الجهد والوقت في طلبها. .. هكذا يريد رجال من السلطة أن نفهم الرسالة. الزيت.. بيت بيت. السكر.. دار دار. الخبز.. زنفة زنفة. والوعود.. فرد فرد. فصباح البرلمان لمؤسسات تشرع للصمت. وتحية إلى نواب أبدوا استماتة في مقاومة ''التحريض'' على كسر الصمت.