قرية بسيطة تكاد تخترقها المدنية على استحياء، بينما ملامح ورائحة الريف الطيبة مازالت تكسبها جاذبية، إنها ''صول'' التابعة لمركز اطفيح محافظة حلوان، والتي تحولت خلال الأسبوع الماضي لأشهر قرى مصر. فمن هنا خرجت شرارة الفتنة الطائفية تهدد استقرار المجتمع المصري، كما تهدد بإطلاق ثورة مضادة للثورة المصرية، والسبب حادث شرف وهدم كنيسة. الحياة في تلك القرية بدائية لحد كبير. وهو ما ينعكس على أهلها الذين يتمتعون بالفطرة والشفافية التي لمسناها فيهم خلال تجولنا في القرية. فرغم شوارعها الضيفة إلا أن هناك قلوبا تسع الجميع، ومن هؤلاء العم عيسي عبد القوي من كبار رجال القرية، والذي تحدث إلينا عن الخلاف في القرية بين المسلمين والمسيحيين قائلا: ''عدد المسيحيين في قريتنا لا يتجاوز ثلث عدد السكان وطول عمرنا عايشين مع بعض أهل وأحباب، ولم يكن بالقرية سوى كنيسة واحدة موجودة على طرفها، وعدد من الزوايا الخاصة بالمسلمين لأداء الصلاة فيها. وهكذا كان الوضع منذ سنوات طويلة، ولكن خلال الأعوام الأخيرة بدأ الأمر يختلف بعدما قام عدد من المسيحيين بهدم منازلهم وإعادة بنائها بشكل مختلف وغريب عن المباني المعتادة بالقرية، ومع الوقت بدأ القساوسة والشماسون بالقدوم إلى تلك البيوت وشيئا فشيئا أصبحت تقام بها صلاتا الجمعة والأحد، وعلقت الأجراس فوق أسطحها، وشيئا فشيئا تحول الأمر لواقع مفروض علينا إلا أن هناك من يحاول إثارة الفتن''. مشيرا إلى قيام عدد من رجال الأمن والمخبرين في الأيام الأخيرة بزيارة المنطقة وكانوا السبب في الأحداث الأخيرة. ويكمل صديقه عبد العال الخضري أحد شيوخ القرية الحديث قائلا: ''قامت علاقة عاطفية بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي وانتشرت أخبار العلاقة سريعا في القرية، فحاول الأهالي النيل من الفتاة بعد هروب الشاب المسيحي، إلا أن أباها وابن عمها رفضا، فما كان من أهالي القرية إلا أن قتلوهم، فثار الجميع وخاصة الشباب واتجهوا إلي الكنيسة وقاموا بإشعال النيران بها معتقدين أن الشاب يحتمي بها، خاصة أن أحد المخبرين، التابعين لجهاز المباحث، قال إن أبونا، يقصد قس الكنيسة، هو الذي طلب من الشاب إقامة علاقات غير شرعية مع فتيات مسلمات انتقاما من المسلمين، فقام أهل القرية بإشعال النيران أيضا في عدد من منازل المسيحيين وطرد عدد منهم خارج القرية، ومن هنا اشتعل فتيل الأزمة''. تركنا عم عيسي لنتعرف عن حقيقة ما يحدث في القرية من تريز عبد المسيح وهي سيدة في العقد السادس من عمرها ترتدي صليبا كبيرا على صدرها، حيث قالت: ''نحن نعيش حالة من الاضطهاد والكراهية من قبل أهالي القرية الذين يرفضون أن تكون لنا كنيسة نقيم فيها الصلاة''، واصطحبتنا السيدة رغم كبر سنها إلى إحدى الكنائس التي تم حرقها بالكامل وبها جزء مهدوم، بينما مازالت أعمدتها الخرسانية قائمة لم تتأثر وقالت ''المسلمون حرقوا كنيستنا وطردونا من بيوتنا''. في حين أكدت فاتن منصور من أهل القرية: ''الأزمة أخذت منعطفا خطيرا عندما اقتحم الشباب الكنيسة فوجدوا بها كشوفا بأسماء أهل القرية جميعا من المسلمين وأمامها مجموعة من أعمال السحر، كما وجدوا صورا لفتيات مسلمات، وذلك لاستخدامها في أعمال السحر، فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير''. ويشار إلى أن أعمال السحر والشعوذة تلقى قبولا كبيرا في القرى الريفية المصرية، حيث هناك الكثير من المعتقدات التي تؤمن بها، كما أن هناك عددا كبيرا من المسلمين بالريف المصري يلجأون إلى الكنائس للقيام بمثل هذه الأعمال من أجل الزواج أو الإنجاب أو محاربة عدو. التطورات التي عرفتها هذه القرية كانت وراء انتفاضة مسيحيي مصر والاعتصام أمام مبنى ماسبيرو، معتقدين أن هناك من يحظر عليهم ممارستهم الدينية. ورغم تأكيد المجلس الأعلى لهم بإعادة بناء الكنيسة، إلا أنهم مازالوا يرفعون العديد من المطالب ومنها إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد وعدم التمييز بين المسلمين والمسيحيين في الوظائف. تركنا الجميع وتوجهنا إلى مسجد علي بن أبي طالب بقلب القرية حيث كان يخطب الداعية عمرو خالد خطبة الجمعة. وأمامه صمتت هتافات الأقباط حيث طالب خالد أهالي القرية بعدم الانسياق وراء فتن أمنية، وطالب الجميع بالهدوء والعمل على نهضة مصر ونبذ الفتنة والفرقة التي يحاول آخرون زرعها. وفي المقابل أقام مجموعة من شباب القرية مسلمين ومسيحين فريقا مشتركا علق على جدار المسجد والكنيسة المهدومة مجموعة من المطالب، تتمثل في تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وكذلك محاكمة المسيحيين والمسلمين الذين أثاروا الفتنة، والتأكيد على عدم طرد أي مسيحي من القرية، في الوقت ذاته رفضوا السماح لوسائل الإعلام بتصوير الكنيسة حرصا على مشاعر الأقباط. وقاموا بوضع مجموعة من قوالب الطوب في إشارة رمزية للمشاركة في إعادة بنائها. وقد شهدت مصر بالأمس مظاهرة مليونية جديدة رفعت شعار ''لا للطائفية.. المسلم والمسيحي أيد واحدة''، وذلك لمنع أن تكون قرية صول مصدرا لثورة مضادة ضد الثورة الطاهرة التي قام بها الشباب في 25 يناير. كما قام عدد من الشخصيات العامة والدعاة بزيارة القرية في محاولة لتهدئة الأوضاع، إلا أن أكثر من 15 ألف مسيحي متجمعون أمام مبنى التلفزيون المصري يرفضون الرحيل قبل البدء في بناء الكنيسة وإقرار قانون البناء الموحد لدور العبادة.