كثير من رجال العصر الّذي عاش فيه سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يعدّون أنفسهم أصحاب الرأي الأوحد السديد الّذي لا يسمح لأحد بمناقشته فيه، خصوصًا لو كانت زوجته، ويزداد ذلك الشعور عند أحدهم إذا كان قائدًا أو زعيمًا أو مقدَّمًا في قومه، ولم يكن من عادة مجتمعاتهم مشاورة المرأة ولا اعتبار رأيها، بل عليها أن تسمع وتطيع فحسب. ولمّا جاء سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أعطى لرأي المرأة ومشورتها القدر والمكانة اللائقين بها، فقد كان الأمين محمّد صلّى الله عليه وسلّم يستشير في أموره كلّها، وكان يطلب رأي المرأة الّتي لم يكن أحد يسمع رأيها، ولا يُقيم لها وزنًا في زمانه صلّى الله عليه وسلّم. وقد تعلّم منه أصحابه ذلك المعنى، فقد كان خلفاؤه الأربعة رضوان الله عليهم يستشيرون النساء، وكان في مقدمتهم عمر رضي الله عنه، وكان أبو بكر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم يستشيرون النساء، ولم يجد العلماء في السيرة النّبويّة والتاريخ أنّ أحد الخلفاء الراشدين حجب عن المرأة حق استشارتها والنّظر في رأيها.