خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل فيه من العجائب والأسرار ما هو به عليم. وهذه النفس الإنسانية فيها حالاتٌ شعوريَّة متقابلة عجيبة، تتفاعل مع الأحداث والمواقف. فالإنسان يضحك ويبكي، ويُحِبّ ويُبغِض، ويُسَرّ ويَحْزَن، ويرضى ويَسخَط، ويَغضَب ويفرَح، كلُّ هذه الحالات تجتمع في النّفس الواحدة، وصَدَق الله تعالى إذ يقول: {وَفِي أنْفُسِكُم أفلاَ تُبْصِرون}. فالفَرحُ حالةٌ شعوريّةٌ إنسانيّةٌ سائدةٌ بين جميع البشر، على اختلاف أَجناسهم وألوانهم وأديانهم. لَكِن المسلم له نظرة خاصّة للفرح وله تصَوُّرٌ مميَّزٌ عن الفرح، لأنه نابع عن قِيَمِه ومبادئه الإسلاميّة. فإذا كان الفرحُ هو ذلك الشعور التلقائي والطبيعي الّذي يَحدُثُ عند كلِّ أَحَدٍ كُلَّمَا كَسَبَ نجاحًا، أو نَال مَطْلَبًا، أو حقَّقَ هَدَفًا، أو هو كما قال ابن القيّم رحمه الله: (الفرح لذّةٌ تَقَعُ في القلب بإِدْرَاكِ المَحْبُوبِ ونَيْلِ المُشْتَهَى). فإذا كان الفرح كذلك، فإنّ النّاسَ يتفَاوَتُون في مِقْداره، ويختلفون في الدّوَافِع والأسْبَابِ التي تَجْعَلُهُم يفرَحون، ويختلفون أيضًا في السّلوك والتصَرُّفات الّتي يُعَبِّرُون بها عن فَرَحِهم. ولهذا، نجد في القرآن الكريم آيات كثيرة عن الفرح، منها قوله تعالى: {إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} القصص .76 وقوله سبحانه: {لكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} الحديد 22 .23 ويقول أيضًا: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس .58 هذا التَبَايُن في الحديث عن الفرح في القرآن الكريم لا يَرجِعُ إلى طَبيعَة الفَرَح، فالفَرَحُ هُوَ الفَرَحُ، لَكِنْ يَرْجِعُ إلى كَوْنِ بَعْضِ الفرحِ محمودًا والبعضِ الآخَرِ مذمومًا. والّذي يُميِّزُ بَيْنَ الفرح المحمودِ والفرحِ المذْمُومِ هِيَ الأسباب والدوافع الّتي دفعَتْ إلى هذا الفرح. فهذا يَفرَحُ لأنَّهُ قام بإنجازٍ عَظِيمٍ، أَتْقَنَ عمَلَهُ، أطاعَ ربَّهُ، تصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، أَعَان مُحْتاجًا، نَجحَ في امتحانِ، نَالَ شهادةً عُلْيَا، فهُوَ يفرَحُ. والآخَرُ كَذَلِكَ يفرَحُ لأنَّهُ أَصَابَ مالاً حرامًا، ظَفَر بصُحْبَةْ فَتَاةٍ، أو يفرَحُ لِمَكْروهٍ أَصَابَ الآخَرِينَ أَوْ نِعْمةٍ زالَتْ عنهم، فهذا أيْضًا يفرَح، لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ الفَرْحَتَيْن، فذاك يفرَحُ فرحًا محمودًا، وهذا يفرَح فرحًا مذمومًا. والّذي يُمَيِّزُ بَيْنَ الفَرَحِ المحمُودِ والفَرَحٍ المذمُومِ كذلك السُّلُوك الّذي هو تعبِيرٌ عن هذا الفرَحِ. فهناك من يفرَحُ وِفْقَ مَبادِئَ وضوابط معيّنَةٍ، يَفرح بنجَاحِه أو بزواجِه وِفْقَ الضّوابط الشرعيّة، ويَجعَلُ من لحظةِ الفرحِ مَحَطَّةً لشُكرِ الله تعالى على هذه النِّعمَة. أمَّا الآخَرُ، فإنَّهُ يفرَح بزواجه مثلاً لكنّه فرحٌ مَلِيء بالمنكرات، كالغناء المَاجِن والاختلاطِ... وغيرِها من المنكراتِ الّتي تُسْخِط ربَّ الأرضِ والسَّماواتِ. وأبناؤٌنا في هذٍه الأيَّام تُعلَنُ لهُمُ النّتائِج، وتُوَزَّعُ عليهم الجَوَائٍز، ويُهَنَّأُ الفَائِز ويفرح النّاجِح، ينبغي أن يكون فرح النجاح فرحًا محمودًا وفرصة لشُكر الله تعالى على ما أنعم ووفّقَ. قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.