رغم استبعاد الناطق باسم هيئة المشاورات، علي بوغازي، الذهاب إلى ندوة وطنية، عقب الانتهاء من هذه المشاورات، إلا أن ذلك لم ينقص من عزيمة الأحزاب والشخصيات، التي لم تخف تمسكها بضرورة تنظيم ندوة أو نقاش وطني يجمع كافة الأطراف لبلورة الإصلاحات السياسية المطلوبة. يلتقي المشاركون في اللقاءات مع هيئة بن صالح والمقاطعون لها، في عدم تفضيلهم لهذه الآلية للتشاور التي اختارتها السلطة لجمع مقترحات الطبقة السياسية حول الإصلاحات في البلاد. ومثلما أعاب رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، على هيئة المشاورات بأنها مجرد ''صندوق بريد''، وبرّر مقاطعته بأنها لا توصل إلى ''إصلاحات جادة''، فإن نفس التحفظ عبّر عنه الأمين العام الأسبق للأفالان، عبد الحميد مهري، صراحة عن ''بعض جوانب هيئة المشاورات''، رغم قبوله الدعوة، حيث يفضل هذا الأخير فتح نقاش وطني أو ندوة وطنية مع كل المطالبين ب''التغيير''، لأنه كما أشار ''لا يمكن تحقيق التغيير بأفكار مجزأة وتصورات منقسمة''. وإذا كانت حركة النهضة قد دعت إلى ضرورة تنظيم ندوة وطنية لمناقشة محتوى الإصلاحات مع كل الفاعلين السياسيين، فإن جبهة القوى الاشتراكية شككت في ''جدية ونجاعة'' هيئة بن صالح، واقترحت ضرورة الذهاب إلى ''حوار ونقاش جدي وحقيقي''، بخصوص مختلف المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ذلك إشارة إلى أن ''الآلية'' التي أقرّها رئيس الجمهورية، وهي هيئة للمشاورات، ليست محل إجماع لدى الطبقة السياسية، ووراء تردد وتحفظ العديد من الأحزاب وعدم تحمسها للمشاركة. وقد فهمت السلطة رسالة الأحزاب منذ البداية، لكنها أغمضت عينيها عن مطلب تنظيم ندوة وطنية، وقامت بدعم هيئة بن صالح بتعيين الجنرال محمد تواتي، المستشار برئاسة الجمهورية، بمعية محمد علي بوغازي للرفع من ثقل هيئة المشاورات وسط الأحزاب والمنظمات والشخصيات المعنية بهذه المشاورات، وكسر التردد الذي أبدته أكثر من تشكيلة حزبية لدى تعيين الهيئة. وكان يمكن أن تكون مقاطعة هيئة المشاورات أكبر وسط الأحزاب الفاعلة في الساحة الوطنية، لو أعلنت هيئة بن صالح قوائم المدعوين لهذه المشاورات كاملة قبل انطلاق المشاورات، بعدما تضمنت أسماء وصفتهم لويزة حنون ب''الجثث الميتة''. ولم يخف عبد العزيز بلخادم امتعاضه من نوعية المدعوين من قبل هيئة بن صالح بالقول ''لست مسؤولا على من دعي ومن لم يدع. ولكن، مادام الرئيس رغب في الاستماع للآراء، من المفروض أن يسمع إلى من يصنعون الرأي. لكن، هناك أناس ربي ناب عليهم فتمت دعوتهم''. وفي ذلك تلميح إلى أن المشاورات بهذه الصيغة التي تجري بها اليوم، مهدّدة ب''التمييع''. ورغم هذه الملاحظات التي طرحتها الأحزاب بخصوص ''آلية المشاورات''، إلا أن السلطة لا يبدو أنها ستغير منها، لكونها ترغب في مواجهة خصومها السياسيين وكذا أحزاب المعارضة على ''انفراد'' وليس ككتلة واحدة، أي في ندوة وطنية، حتى لا تضطر إلى تقديم ''تنازلات''، وفقا لميزان القوى المتولد وليس وفقا لحسابات السلطة لما تريد الوصول إليه من وراء ما تسميه ب''الإصلاحات''.