حملت وزارة ولد عباس، أمس، ''بشرى'' للجزائريين مفادها أن ''كل الأدوية الأساسية وذات الطابع الاستعجالي متوفرة في السوق أو هي في طريقها إلى ذلك، بعد الانتهاء من عمليات الجمركة والتحاليل المخبرية''. وبين الواقع و''بشرى'' وزير الصحة مسافة لا تختلف عن تلك التي تفصل السماء عن الأرض، فمرضى السرطان يعانون حتى الموت من ندرة غير مسبوقة في الأدوية التي ترافق العلاج الكيميائي، وأولياء الرضع من أبناء ''شعيب الخديم'' لا يجدون لقاحات لفلذات أكبادهم، ثم يأتي ولد عباس ليقول إن الأدوية متوفرة في السوق، دون أن يحدد بالضبط عن أي سوق يتكلم، اللهم إلا إذا كان يقصد سوق باريس أو مدريد أو ''سوق'' بعض الأحياء الراقية بالجزائر العاصمة، التي يبيع فيها ''ترابنديست'' و''بفارة''، حوّلتهم أموال مجهولة المصدر، إن لم نقل مشبوهة، إلى ''مستثمرين'' في قطاع الصحة والأدوية، لقاحات الرضع الأبرياء ب2500 دينار. ولنا أن نسأل الوزير، بالمناسبة، عن سر وجود لقاحات الأطفال في عيادات خاصة دون المستشفيات والمستوصفات؟ إن وضعا كهذا يعطي الانطباع بوجود توليفة مافيوية لا يهمها لا المريض بالسرطان ولا الرضيع ولا أي جزائري ''كادح''، بل تهمها الملايير التي ''تجنيها'' من هذا الوضع. ثم إن حديث ولد عباس عن وجود الدواء على مستوى الجمارك غريب غرابة خرجاته، إذ ماذا يفيد كلام كهذا المريض بالسرطان والباحث عن اللقاح لفلذة كبده أو غيرهما، هل هي دعوة لهم لحمل الوصفات الطبية والتوجه بها إلى مراكز الجمارك لاقتناء الدواء؟ وفي هذه الحالة ما الجدوى من وجود الصيدليات والمستوصفات والمستشفيات؟ بل ما الجدوى من وجود وزارة الصحة؟ ألا يحق لنا المطالبة بغلق هذه الوزارة وتحويل ولد عباس إلى وزير للجمارك على سبيل المثال؟ إنني أبقى ''بلا راس'' عندما أتذكر كيف أن الدولة الجزائرية استطاعت، قبل سنتين وفي ظرف ساعات، أن تنقل أزيد من عشرة آلاف مناصر إلى السودان، على بعد آلاف الأميال، لتوفير الأزر للمنتخب الوطني لكرة القدم أمام نظيره المصري، في خطوة أدهشت مصر والعالم، ليس بمقدورها أن توفر لقاحات لرضعها والأدوية التي ترافق العلاج الكيميائي لمرضى السرطان المساكين، رغم أن هذا الدواء لا يحتاج إلى تسخير الأسطول الجوي المدني والعسكري وإمكانيات كبيرة أخرى، مثلما حصل في مباراة أم درمان، بل إلى قليل من الإرادة و''حفنة'' من ال160 مليار دولار التي تملكها دولتنا من احتياطي الصرف، وإلى، وهو الأهم، إبعاد المافيا عن سوق الدواء. [email protected]