صرح وزير الصحة بأن ''تحقيقات مصالحه بينت أنه من أصل 250 موزع دواء معتمد، لا يشتغل عمليا سوى 53 موزعا، وبعضهم لا يتوفر على محلات تخزين مناسبة وأجهزة تبريد مثلما هم معمول به عالميا''. وبهذا يكون ولد عباس قد ''اكتشف'' مبررا لأزمة ندرة الدواء، وعذرا لوزارته، و''رب عذر أقبح من ذنب''. وعلمنا أيضا أنه ''هدد بمنع نشاط موزعي الأدوية الذين يخالفون قواعد التوزيع''. وكما نعلم جميعا فإن تهديدات مسؤولينا لا تنفذ إلا على الذين ''لا حول ولا قوة لهم''، وبالتالي فهذا الكلام للاستهلاك فقط. وقبل أيام صرح بأن الدولة خصصت السنة الماضية أكثر من ملياري دولار لاقتناء الأدوية، وبأنه سيتخذ إجراءات صارمة ضد كل من يتلاعب بصحة المواطن.. ''صح النوم''، أين كان الوزير والآلاف من الإطارات والموظفين في قطاعه، والكثير من الأدوية مفقودة منذ مدة طويلة؟ أين هي مصالحه والمواطن يلهث وراء بعض الأدوية، ويضطر لاقتنائها من تونس أو دول أخرى؟ إن مرضى السرطان يتنقلون منذ أكثر من سنة نحو مراكز معالجة هذا الداء في العاصمة أو وهرانوقسنطينة، ويقطع بعضهم مسافات تتجاوز 300 كلم، مع ما في ذلك من معاناة، ويعودون أدراجهم خائبين لأن الدواء اللازم للعلاج الكيميائي غير متوفر. ألا يعلم ولد عباس أن بعض هؤلاء المرضى لا يحصلون على مواعيد للعلاج بالأشعة إلا بعد 6 أو 8 أشهر، وأن الكثير منهم يفارق الحياة قبل حلول الموعد؟ أليس هذا تلاعبا بحياة المواطن؟ لماذا لم يتخذ الإجراءات طيلة هذه المدة، والجزائر تشهد يوميا 10 وفيات بهذا الداء؟ إن المواطن يا سيادة الوزير يعلم أن الدولة خصصت فعلا أموالا طائلة لاقتناء الأدوية ولقطاع الصحة عموما، وينتظر منكم أن تطلعوه عن مصير هذه الأموال وسبب غياب الدواء. المواطن ينتظر منكم يا سيدي أن تشرحوا له سبب عجزكم عن كبح جماح مافيا الدواء الذي تخلت الدولة عن استيراده لأشخاص، بعضهم ''لا يفرق بين البينيسيلين والبطاطا'' على حد تعبير أحد أساتذة الطب. يريد المريض المسكين أن يفهم لماذا يضطر للتنقل بوسائله الخاصة في أغلب الأحيان وفي ظروف مزرية، من بعض الولايات نحو وهران أو العاصمة أو قسنطينة للاستفادة من خدمات طبية وفرت الدولة الأموال اللازمة ليتلقاها في ولاية إقامته. يريد أطباء وأساتذة المستشفيات الجامعية في الولايات الكبيرة المذكورة أن يفهموا لماذا يستمرون في تحمل ضغط الأعداد الكبيرة من المرضى القادمين من الولايات المجاورة، رغم وجود أطباء بهذه الولايات لا يطلبون سوى التجهيزات الضرورية للتكفل بهم والتقليص من التحويلات نحو المستشفيات الجامعية. يريد المواطن يا ''معالي'' الوزير أن يفهم لماذا تنتظرون، وفي كل القطاعات، حلول الكارثة لتمطروه بوابل من العبارات الديماغوجية والوعود التي يعرف أنها لن تتجسد من مثل ''سنتخذ الإجراءات''. لماذا لا تتابعون الأمور في وقتها؟ ماذا تفعلون طيلة العام؟ وماذا تقدمون نظير ما تتلقوه من مرتبات وامتيازات؟ الأكيد أن الجواب عن هذه التسِاؤلات غير وارد، لأنه ببساطة يتلخص في ''فشلكم في التسيير'' وهو أمر لم ولن تتعودوا على الاعتراف به. يقول أسلافنا ''قم وإلا طلق''، لكننا، للأسف الشديد، أمام طينة من المسؤولين ''لا تقوم ولا تطلق''. كان الله في عوننا. [email protected]