يعود محمد رأس العين رئيس محكمة سيدي امحمد ورئيس نقابة القضاة سابقا، المحامي حاليا، إلى فترة الصراع على رئاسيات 2004 عندما أقحم القضاء في الصراع بين عبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس. ويبدي في حوار مع ''الخبر'' رأيه في دور المجلس الأعلى للقضاء ونظرة المجتمع للقاضي. ما رأيك في أداء المجلس الأعلى للقضاء الذي يعاب عليه ميله إلى العقاب أكثر من حماية القضاة من الضغوط؟ إذا كانت استقلالية القضاة وحيادهم ونزاهتهم تتعلق بضمير القضاة واليمين المؤداة من طرفهم عند بداية تعيينهم، فإن المجلس الأعلى للقضاء يعد الجهة التي تمثل السلطة القضائية تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات، ومن ثم ولكي يحكم على مدى قيام هذا المجلس بدوره كجهة داعمة لاستقلال القضاء يتعين الإلمام بالقانون العضوي المتعلق بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته (قانون رقم 12-04). والحقيقة تقال إن هذا المجلس هو شديد الارتباط بالسلطة التنفيذية أكثر منه بالسلطة القضائية، ويتجلى ذلك في أن الوزير كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء هو تابع للسلطة التنفيذية. الوزير هو المهيمن على أمانة المجلس من خلال تعيين أمين الأمانة، والمكتب الدائم لهذا المجلس يرأسه وزير العدل. والمفتشية العامة التي تقوم بدور التحقيق في كل الأخطاء المهنية التي تقع من القضاة، تابعة لوزير العدل وليس للمجلس الأعلى للقضاء، الذي تشكيلته من القضاة غير متوازنة بين قضاة الحكم وقضاة النيابة وبين قضاة المحاكم العادية وقضاة محاكم القضاء الإداري. ويتضح مما تقدم مدى ارتباطية المجلس الأعلى للقضاء بالسلطة التنفيذية، والكل يعرف نتائج هذا الارتباط، ومن حيث كونه جهة تأديب فإن هذا المجلس منذ عام 2001 قد عزل أكثر من 200 قاض، الأمر الذي نتج عنه نشوء جمعية وطنية للدفاع عن القضاة المعزولين. إن القضاة فضلا عن عدم الاعتراف لهم بحقهم الطبيعي، وهو حق التعبير كما جاء في مبادئ الأممالمتحدة لعام 1985 المتعلقة باستقلالية القضاء، فإن حقهم في التقاضي أيضا قد سلب منهم، إذ تم التراجع عن الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري عن طريق دعوى لإلغاء قرارات المجلس الأعلى للقضاء كهيئة تأديبية، وبالتالي فالقضاة أصبحوا يفتقرون إلى أي جهة تحمي حقوقهم. كنت واحدا من القضاة الذين ارتبطت أسماؤهم بالصراع حول رئاسيات 2004، ما هو الدور الذي أداه القضاء خلال تلك الفترة؟ فيما يتعلق بارتباط اسمي بالصراع حول رئاسيات ,2004 أؤكد لكم بأن ارتباطي الوحيد هو مع الدولة والدفاع عن استقلالية القضاء بصفتي آنذاك رئيس النقابة الوطنية للقضاة. وللتدليل على ذلك، أذكر بأنه خلال شهر أفريل ,2003 قام المكتب التنفيذي للنقابة مرتديا الجبب بوقفة احتجاجية أمام وزارة العدل لمدة ساعتين، كما قام بتوجيه نداء إلى المجلس الوطني الشعبي باستعمال حقه المنصوص عنه بالمادة 119 من الدستور بأن يقترح مشروع القانونين المتعلقين بالقانون الأساسي للقضاء، والقانون المتعلق بتشكيلة المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته، المشروعين الموافق عليهما من طرف الحكومة خلال شهر فيفري 2003, وتم تجميدهما فيما بعد، وكذلك الموقف من مقاطعة المجلس الأعلى للقضاء آنذاك، والذي وصف بأنه غير شرعي وغير تمثيلي، وكذلك وصف السياسة ذات الصلة بالقضاء بأنها ضبابية. وقد جاء كل ذلك في بيان المكتب التنفيذي خلال شهر أفريل 2003, غير أن ما أفاض الكأس هو الاستعمال غير الشرعي للقضاء من خلال القرار الليلي الصادر بتاريخ يوم الأربعاء الفاتح من شهر أكتوبر 2003 الفاصل في قضية ما سمي تصحيحية جبهة التحرير الوطني والأمين العام لجبهة التحرير الوطني آنذاك علي بن فليس، والذي تبعه تصريح رئيس المجلس القضائي آنذاك زيتوني محمد الذي نقلته وسائل الإعلام يوم السبت 04 أكتوبر 2003 بأنه لا يعلم به، وكان الأجدر أن يكون أول المطلعين عليه، وفقا لما يمنحه إياه القانون من اختصاص، فضلا عن إدراج اسم النائب العام المساعد مناصرية رفيق بالقرار وهو غير معني به.. كلها تؤكد الخروقات القانونية في الإجراءات.. الأمر الذي ترتب عنه تحمل مسؤوليتي كرئيس للنقابة الوطنية للقضاة بتنظيم ندوة صحفية أكدت من خلالها بأنه لولا حالة الضعف التي يعيشها القضاء، لما تم استغلاله وإقحامه في صراع سياسي لا يعنيه... ووصفت ما جرى بأنه عدالة الليل. وللتوضيح فإن الليل يرمي إلى الظلام... والكل يعرف ماذا يفعل الظلام في شل حرية التحرك من خلال (طاق على من طاق). إلى أي مدى يثق المواطن في القاضي وفي أحكام القضاة؟ هل تشاطر من يعتقد بأن المواطن مازال يخاف اللجوء إلى العدالة طلبا لإنصافه؟ إن أول مظهر يرصده المتقاضي هو طريقة وصوله العادل إلى القضاء، بدءا من تسجيل قضاياه إلى غاية مثوله أمام القضاء، فإن كانت الإجراءات سهلة وبسيطة فإن ثقته تبدأ من خلال هذه الإجراءات. غير أنه بصدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وفرض ترجمة كل الوثائق أثر سلبا على المتقاضين وخاصة محدودي الدخل. والأمر هنا لا يتعلق بالوثائق التي تصدر من جهات أجنبية، فذلك يتعلق بسيادة الدولة، غير أن ما هو غير مقبول أن يقوم المتقاضي بترجمة وثيقة صادرة عن جهة إدارية جزائرية بحيث يوحي الأمر بأننا داخل عدة دول. فضلا عن أن رؤية المتقاضي للكم الهائل من الملفات أمام القاضي، يمنحه اعتقادا باستحالة قراءة وفهم هذه الملفات، الأمر الذي يزيده نفورا من القضاء. زد على ذلك تصريح الوزير بأن القضاة يصدرون أحكاما ظالمة. لماذا هذه الصورة النمطية عن القاضي في أوساط المجتمع.. موظف دولة يصدر أحكاما وقرارات بناء على تعليمات فوقية؟ أعتقد بأن تغييب الدور الحقيقي للمجلس الأعلى كجهة تمثل السلطة القضائية، وكجهة تحمي القضاة وتدفع باستقلاليتهم، أدى لأن تقوم السلطة التنفيذية من خلال وزير العدل بتسيير القضاء ليس إداريا فحسب، بل حتى قضائيا. ولعل المذكرة رقم 1308 الصادرة بتاريخ 27 أكتوبر 2003 الموجهة إلى رؤساء المجالس والنواب العامين لدى المجالس، تأمرهم بأن لا يتعدى تأجيل القضية الواحدة في الشأن المدني خمس مرات، وفي الشأن الجزائي ثلاث مرات على أن لا تتعدى فترة التأجيلات مدة أسبوعين، خير دليل على أن ما جاءت به هذه المذكرة قد أدى إلى نتائج كارثية على صعيد الدور الحقيقي للقضاة والمحامين والمتقاضين على السواء... إن هذه الوضعية أدت إلى أن أصبح يتم جدولة أكثر من 300 قضية في الجلسة واحدة، وخصوصا في الجزائي كما أدت هذه المذكرة إلى سلب القاضي دوره في تسيير الجلسة. نخلص إلى القول بأن القاضي اليوم أصبح مكلفا بتصفية الملفات على حساب أداء العدل، غير أن كل هذه المآخذ لا تعفي القاضي من أن يتخذ لنفسه موقفا من كل ما يجري حوله.. فالقاضي ملزم بالدفاع عن استقلاليته من خلال اليمين المؤداة يوم توليه مهامه، وعليه أيضا الدفاع عن استقلالية القضاء كواجب عليه، وفقا لقناعة راسخة لديه ومن دون ذلك يبقى العموم ينظر إلى القضاة على أنهم موظفون في الدولة مهمتهم أداء الخدمات فقط.