فضل الله على البشرية قاطبة: مَن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى، ويدّعي دعواه العريضة في الهدى والجنّة بسبب تلك الوراثة، ومَن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش، فليسمع: إنّ إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة قال له ربُّه: {لا ينالُ عَهْدِيَ الظّالمين}، ولمّا أن دعا هو لأهل البلد بالرزق والبركة خصّ بدعوته: {مَن آمَنَ باللهِ واليومِ الآخرِ..}، فأعلمه سبحانه وتعالى أن عطاءات الربوبية لكلّ النّاس للطائع والعاصي والمؤمن والكافر، حيث قال له: {وَمَن كفر فأمَتِّعُه قليلاً ثُمّ اضطرُّهُ إلى عذاب النّار وبِئْس المصير}. فهو سبحانه رحمان الدُّنيا ورحيم الآخرة. وأمّا ما يتعلّق بالأمانة فقد اصطفى الله لها رجالاً أقوياء لا يخافون في الله لومة لائم. وحين قام هو وابنه إسماعيل عليهما السّلام بأمر ربِّهما في بناء البيت وتطهيره، كانت دعوتُهما أن يكونَا مسلميْن لله ربِّ العالمين، انقياداً كلياً مطلقاً، وأن يجعل الله من ذُرّيتهما أمَّةً مسلمة تزْرَع في النُّفوس الحبّ والسّلام، وفي القلوب وحدة العبودية لله وحده. أمّة قائمة بأمر ربّها، خاضعة لأوامره ونواهيه عن عشق وشوق للمعشوق، لا عن إجبار أو كراهية، وأن يبعث في أهل بيته رسولاً من أَنفُسِهم ومِن أنفَسهم، فاستجاب الله لهما، وأرسَل من أهل البيت الحرام سيّدنا محمّداً بن عبد الله عليه الصّلاة والسّلام، وحقَّق سبحانه على يديه ميلاد الأمّة الإسلامية الوارثة لدين الله، أمّة جعلها تعالى وسطاً شاهدة على الأمم السابقة.. عندئذ تسقط كلّ دعاوى اليهود والنصارى في اصطفائهم واجتبائهم لمجرد أنّهم أبناء إبراهيم وحفدته وهُم ورثته وخلفاؤه.. لقد سقطت عنهم الوراثة منذ انحرافهم عن هذه العقيدة، وعندئذ تسقط كذلك كلّ دعاوى قريش في الاستئثار بالبيت الحرام، وشرف القيام عليه وعمارته، لأنّهم قد فقدوا حقّهم في وراثة باني هذا البيت ورافع قواعده بانحرافهم كذلك عن الملّة الحنيفية السمحة.. ثمّ تسقط كلّ دعاوى اليهود فيما يختص بالقبلة الّتي ينبغي أن يتّجِه إليها المسلمون، فالكعبة هي قبلتهم وقبلة أبيهم إبراهيم، عليه وعلى كلّ الأنبياء أفضل الصّلاة والسّلام.