المنتفعون بالفساد هُم السّادة في كلّ زمان ومكان، أصحاب السُّلطة والنّفوذ وأصحاب الجاه والأموال، الّذين يستفيدون من ضياع الحق وانتشار الباطل.. يستفيدون من جهل الضعفاء ومن فقرهم، فتراهم يقفون بالمرصاد في وجه كلّ دعوة تدعو إلى تحرير المستضعفين.. وكفار قريش كذلك استفادوا من ضياع الحق وانتشار الباطل، فأخذوا حقوق غيرهم واستعبدوا النّاس، وجعلوا دماءهم من غير عرق غيرهم، واستأثروا هم بالخير ومنعوه عن باقي عباد الله. والمنتفعون بالفساد، كما لا يخفى، يكرهون أيّ مُصلح، لأنّهم يرونه بعمى ضمائرهم فاسداً، جاء ليبدِّل دينهم كما قصّ الله في القرآن حول فرعون وقومه، فقد كان لعنةُ الله عليه يرَى موسى الكليم الّذي ربّاه بيديه وترعرع على عينه، ساحراً مجنوناً فاسداً، وكان يرى نفسه الإله الأعلى وفي رأيه الصّواب الأقوم. قال تعالى في حقّه في سورة غافر: {وقالَ فرعون ذَرُونِي أقْتُل موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنّي أخافُ أنْ يُبَدِّل دينَكُم وأنْ يُظْهِر في الأرْض الْفَسَاد (26).... قَالَ فِرعون ما أُرِيكُم إلاّ ما أرَى ومَا أهْدِيكُم إلاّ سبيل الرَّشاد (29)}. والمنتفعون بالفساد يقفون بالمرصاد في وجه كلّ مصلح، ليُدافِعوا عن سيادتهم وعن أموالهم الّتي حصلوا عليها بالظلم والاستبداد.. والجزيرة العربية كانت مكوّنة من قبائل متعدّدة كبني هاشم، وبكر، وخُزاعة، وطيء، وهوازن، وبني عبد شمس وبني مخزوم... وكان لكلّ قبيلة قانونها الّذي يضعه شيخها، ليستأثر لنفسه بكلّ شيء. ومعنى ذلك أنّه لا توجد رابطة بين هذه القبائل، ولا قانون عام يحكمها، وكلّ قبيلة لها عزّتها ولها شوكتها ولها حروبها، وكلّ فرد منها فارس مقاتل، مستعدٌ للدفاع عنها في أيّ وقت.