لقد حلّ بنا شهر الأنوار، شهر ربيع الأول، شهر مولد خير البرية محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فهل يحق لنا أن تمر هذه المناسبة العظيمة دون أن نلتفت إلى حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلّم علينا، ولكن قبل أن نتعرّف على هذه الحقوق أطرح هذا السؤال وأقول: هل نعرف المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؟ إنّ شأن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم عند الله عظيم وإن قدر الحبيب عند ربّه لكريم، فقد اصطفاه الله على جميع خلقه فشرح له صدره ورفع له ذِكره وأعلى له قدره ووضع عنه وزره وزكّاه ربّه في كل شيء، زكّاه في عقله وفي فؤاده وفي سمعه وفي بصره وفي صِدقه وفي حِلمه وفي طُهره، وزكّاه كلُّه فقال سبحانه ''وإنّك لعلى خُلق عظيم'' القلم4 ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: والله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمّد، وما سمعتُ الله أقسم بحياة أحد غير محمّد فقال جلّ وعلا ''لَعُمْرُكَ إنّهم لفي سكرتِهم يعمهون'' الحجر,72 بل وأقسم الله بالضحى ''والضُّحى واللّيل إذا سجى''، أنه ما أهمل محمّداً صلّى الله عليه وسلّم، بعدما اختاره واصطفاه واجتباه، وقد جمع الله له الكرامة والسعادة في الدارين. يقول صلّى الله عليه وسلّم عن نفسه: ''أنا سيِّدُ ولد آدم يوم القيامة، وأوّل مَن يُشق عنه القبر، وأوّل شافع، وأوّل مشفّع'' رواه مسلم. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: ''فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أعطيتُ جوامع الكلِم ونُصرتُ بالرُّعب وأحلت لي الغنائم وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلتُ إلى الخلق كافة وخُتم بي النّبيّون''. فلقد أكمل الله له المحاسن والكمال البشري، مَنَّ الله عليه بجمال الصورة واستواء البدن ووضاءة الوجه، وقوّة الفكر والعقل ودقّة الفهم وسلامة القلب وكرم النسب وشرف الأصل، كان كثّ اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير، إن تكلَّم كأن نوراً يخرج من بين ثناياه. ثمّ زيَّن الله هذا الخَلق البشري بكلّ سِمات الكمال الخُلقي في بشر، زيّنه بالحِلم والعِلم والرّحمة والإنابة والتّواضع والزُّهد والكرم والحياء والمُروءة والشّجاعة والرجولة والعِفّة والعفو والسّخاء والدِّين والعبودية. كانت هذه بعض أوصافه صلّى الله عليه وسلّم وهي غيظ من فيض، فهل عرفت الأمّة قدر نبيّها صلّى الله عليه وسلّم؟ إنّ في عنق كل مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله حقوقاً لهذا النّبي الخاتم عليه الصّلاة والسّلام، وإن أولها الإيمان به حقاً، فقد قال جلّ وعلا ''آمنوا بالله ورسوله وأنفِقوا ممّا جعلكم مُستخلفين فيه'' الحديد. ومنها طاعته واتّباعه ''قُل أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول'' النور، ''وما أتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا'' الحشر. ومنها محبّته والاقتداء به ''قُل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم'' آل عمران.31 إن ادّعَت الأمة أنها عرفت قدر نبيّها صلّى الله عليه وسلّم فإن واقعها وحالها يكذّب ادّعاءها وزعمها، هل عرفت الأمة قدر النّبيّ في الوقت الّذي عطّلت فيه شريعته وأخّرت فيه سُنّته، وقدّمت القوانين الوضعية البشرية وحكّمتها في الأعراض والأموال والدماء، والله جلّ وعلا يقول: ''فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يُحكِّموك فيما شجَر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفُسهم حرجاً ممّا قضيتَ ويُسلِّموا تسليماً'' النساء65 ، والله تعالى يقول: ''يا أيُّها الّذين آمنوا لا تُقدِّموا بين يدي الله ورسول'' الحجرات، أي لا تقدّموا قولاً ولا فعلاً على قول الله وقول وفعل رسول الله. وإنّ من حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أن نُكثِر من الصّلاة والسّلام عليه، قال تعالى: إنّ الله وملائكتَه يُصلُّون على النّبيّ يا أيُّها الّذين آمنوا صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً} الأحزاب.56 وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مّن صلَّى عليَّ واحدة، صلّى الله عليه عشر صلوات وحَطَّ عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات'' رواه النسائي. * إمام مسجد الشيخ العربي التبسي حي البحر والشمس - حسين داي