في الوقت الذي يجد سكان الحضر في تساقط وتراكم الثلوج، فرصة لتمتّعهم وأطفالهم باللعب وأخذ صور تذكارية، تتحوّل حياة القرويين بالريف الفالمي، إلى جحيم ومعاناة، تفرضها موجة البرد القارس ونفاد المؤونة، وتعمّقها المخاوف على مصدر استرزاقهم من الماشية. في الطريق إلى مشاتي عين الزيتونة، السخونة ومنطقة بوشلاغم، شاهدنا الكثير من السيارات السياحية التي كانت محمّلة بكتل من الثلج، بعد لحظات من لعب الأطفال، غير أنّه بوصولنا إلى منطقة جبل ''بيلو'' بدأت صور الطبيعة المقفرة تقابلنا، وازداد معها تساقط الثلوج الذي لم يصمد في وجهه ماسح زجاج سيارتنا. ملازمة الفراش للاقتصاد في غاز البوتان.. اقتربنا من أحد البيوت عند عرش ''لقدادشة''، علنا نجد من نتحدث إليهم من السكان، غير أنّ أحد الشباب أشار علينا بأنّ الأهالي منهمكون في تقديم العلف لمواشيهم، وبعضهم ملازمون لمضاجعهم ''للاقتصاد في غاز البوتان وبعض عيدان الحطب''. في عين الزيتونة، استقبلنا بعض الأطفال الذين وجدناهم يحتطبون، وما أن أخبروا رب البيت حتى خرج إلينا واستقبلنا.. ظن الكهل الذي يرتدي ألبسة رثّة، أول الأمر، بأننا قصدنا الدشرة للتمتّع بالثلج، غير أنّه بمجرّد علمه بأنّنا صحفيون، أدخلنا ''حوش'' بيته البسيط، وراح يسرد علينا معاناته ومعاناة أهالي المنطقة. محدثنا تساءل عن برامج التنمية الريفية التي يتحدث عنها المسؤولون، وعن حياة البؤس التي يعانيها سكان تلك القرى خاصة في فصلي الشتاء والصيف، فهم لايزالون يحتطبون بطرق بدائية، لتحضير ما يلزم من الطعام وللتدفئة، ويضطرون لكراء سيارات لإحضار قارورات غاز البوتان من مدينتي هواري بومدين أو حمام دباغ، رغم ما يتكبدونه ماديا، بسبب انعدام النقل. مشاتي السخونة.. بوشلاغم والشواوة موحشة بمنطقة السخونة، كانت الثلوج أشد تراكما، حيث فرضت على السكان حظرا غير مسبوق، فأسقف البيوت المغطى معظمها بصفائح الزنك، أصبحت لا تميّز من بقعة البياض الضاربة على المنطقة. نصحنا أحد الشباب بعدم المغامرة في الوصول إلى بعض المساكن الريفية البعيدة عن الطريق البلدي، مشيا على الأقدام، لأن المسلك صعب ووحل أحيانا. الشاب ذكر لنا بأنّ الأهالي مهدّدون بنفاد المؤونة وعلف الماشية، وأنّهم متخوفون من استمرار تساقط الثلوج، وأنّ موجة البرودة الشديدة باتت تتهدّدهم وتتهدّد أرزاقهم من الثروة الحيوانية.