احتلت شخصية سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عبر تاريخ المفكّرين الغربيين الكبار مكانة عالية من البحث والتّحليل، فتحرير الإنسان الجاهلي والارتقاء به إلى هذا المستوى الرّفيع من العِلم والحضارة، في غضون سنوات معدودة، أمر يستحق الوقوف عنده للتّحليل من كبار المفكّرين الغربيين. كان الأمر الّذي استحق الوقوف الأكبر هو الانتقال بعد تحرير هذا الإنسان الجاهلي إلى الانطلاق العالمي، والدخول في حروب شرسة ضدّ أهل الكفر والشّرك في بقاع كثيرة من هذه الأرض. يقول غوستاف لوبون، وهو أحد كبار المفكّرين والمؤرّخين الفرنسيين: ''إنّني أعجب كيفما تمّ لهذا النّبيّ الأمّي أن يؤسّس دولة في غضون ثلاث وعشرين سنة، استطاعت أن تقهر أكبر إمبراطوريتين في ذلك العصر، إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم، اللّتين احتلتا عرش القوة والمجد على مدى ألف عام قبل بعثته صلّى الله عليه وسلّم. وقد جاء في حاشية هذا الاستغراب أن الأمر يفوق كلّ تصور، إذ لم تكن تلك الحرب السريعة متكافئة، والّتي تمّت في غضون عشر سنوات بعد وفاة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أو كانت سجالاً بين العرب صاعقة لصالح المسلمين، رغم عدم التكافؤ بين تلك القوى المتحضّرة وبين عرب الصحراء الّذين خرجوا من الجزيرة لا يملكون من المؤهلات سوى هذه العقيدة الّتي صنعت رجالاً قال عنهم خالد بن الوليد لهرمز، قائد الفرس، في إحدى المعارك: ''لقد جِئتُك برجال يُحبُّون الموت أكثر ممّا يُحبّون الحياة''. ويقول المستشرق الأمريكي مايكل هارت في كتابه ''الخالدون المائة'': ''إنّ محمّداً أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ''. ويقول كارليل في كتابه ''الأبطال وعبادة البطل'' في ختام دفاعه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''هكذا تكون العظمة، هكذا تكون البطولة، هكذا تكون العبقرية''. ويقول المستشرق إدوارد مونتيه في كتابه ''حاضر الإسلام ومستقبله'': ''إن طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد، بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان محمد مصلحاً دينياً ذا عقيدة راسخة''. ويقول المستشرق إميل درمنغم في كتابه ''حياة محمد'': ''إن قوة عبقرية محمد الإنشائية واتساعها، وذكاءه العظيم، ونظره الصائب إلى الحقائق، وسيادته لنفسه، وقوة إرادته، وحكمته، واستعداده للعمل، وحياته الواقعية، كل ذلك يجعل الزيف في مبدأ رسالته يستحيل القبول، فكيف يتصور أن ينقلب كاذبا فجأة، ذلك الّذي كان نجاحه يظهر له كرهان ساطع على تأييد الإله لدعواه، وكيف يمكن أن يُجرَّأ على تشويه رسالته في الوقت الذي كان يرى أنها مقدسة مؤيدة من الإله''. من جهته، يؤكّد الأب ستيفانو، من الشعبة الثقافية في السفارة الإيطالية في دمشق، أنّ السِّرّ وراء مدح النّبيّ محمّد من قبل هؤلاء المفكرين مردّه ''أنّ محمّداً نبيٌّ مرسل من الله سبحانه، وأنّ محمّداً رسول الله إلى بني البَشَر، حَمَل إليهم رسالة فيها أعْلَى ما رَسَمَه الخالِق لبني البشر، ولهذا وجدهُ دارسوه مِن هذه الفئة ذات الروح الإيجابية من الغربيين، وجدوه دائماً في قِمَّة العَظَمة، بجميع مظاهر العظمة الّتي يعرفونها''.