هوس الجزائريين بالهاتف النقال، أدى إلى ظهور مهنة جديدة ساهمت في خلق مصدر استرزاق للآلاف من الشباب عبر ولايات الجمهورية ''بيع لواحق الهواتف النقالة وتصليحها''. النشاط انتشر لدرجة صار أصحابه يشتكون من تراجع مداخيلهم بسبب العدد المعتبر من المحلات المتخصصة في شؤون ''البورتابل''. رقم قياسي لعدد العاملين في الأسواق الموازية 3 آلاف تاجر شرعي في تصليح الهواتف النقالة 50 فقط من الناشطين يعملون وفق اتفاقيات مع الصانعين كشف مصدر من مصالح السجل التجاري، أن هناك حوالي 3 آلاف محل مختص في تصليح الهواتف النقالة، غير أن 50 فقط منهم يعملون في إطار منظم مع العديد من صانعي الهواتف النقالة، فيما يتم نشاط الأغلبية الساحقة في السوق الموازية. وأفاد المصدر ذاته أن نشاط تصليح الهواتف النقالة وبيع لواحقها عرف تناميا مذهلا في السنوات الماضية، مواكبا بذلك الارتفاع الجنوني لعدد المشتركين في شبكة الهاتف النقال للمتعاملين الثلاث، غير أنه من ضمن 3 آلاف محل يوجد 50 فقط ينشطون في إطار قانوني، وفق دفتر شروط مع عدد من ممثلي صانعي الهواتف المتواجدين بالجزائر، ويلزم دفتر الشروط المذكور ضمان المنتوج والتصليح ما بعد البيع وفق المقاييس الدولية، لتبقى الأغلبية ينشطون في شكل شبه فوضوي، ويعدون بالآلاف يتمركزون أساسا في الولايات الكبرى، مثل سطيف، العاصمة، قسنطينة، وهران، عنابة. ويقدم هؤلاء رغم نشاطهم الموازي، خدمات للمشتركين بحكم أن عدد الناشطين وفق اتفاقيات مع الصانعين ضئيل جدا، ما يعني أنهم قاموا بسد فراغ رهيب في هذا المجال، وهذا يقود للحديث عن رفض صانعي الهواتف النقالة إنشاء شبكة واسعة للوكلاء المعتمدين يعملون وفق دفتر الشروط يضمنون مثلا تصليح الأعطاب خلال فترة ضمان المنتوج. الأكيد أن مهنة تصليح الهواتف النقالة فرضت نفسها بطريقة وفي ظروف عجزت السلطات بسبب ذلك إعادة تنظيمها، فبين العدد القليل جدا للوكلاء المعتمدين والعدد الأكبر من المشتركين كان يجب توفير هذه الخدمة للزبائن. آخر الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من 35 مليون مشترك في الهاتف النقال سنة 2011، الكثير منهم يملكون أكثر من هاتفين، فلا بد لهم من عدد كبير من محلات تضمن لهم تصليح هواتف عند الحاجة. ويرى البعض من التجار، أن مهنتهم لا تدرّ عليهم الأموال الطائلة كما يعتقد البعض، فهوامش الربح جد ضئيلة، حيث أن تصليح عطب قد لا يجني من خلاله سوى 200 أو 300 دينار فقط، وفي بعض الأحيان لا شيء، حيث يقول أحد الباعة من حي بلفور ''لا يمكن أن نقبض أموالا من شخص لم يحسن وضع بطارية هاتفه'' مما يجعل المهنة حسب تعبير العديد منهم ''شيعة بلا شبعة'' فلسان حالهم ''صحيح أننا نبيع ونصلح هواتف نقالة باهظة الثمن لكن لا نجني من ورائها إلا الفتات''. أسبوع من التكوين ب20 ألف دينار حي بلفور في العاصمة ..قبلة لبائعي ومصلحي الهواتف النقالة تحول حي بلفور ببلدية الحراش، شرق العاصمة، على مر السنين إلى مقصد الجميع في حالة الحاجة إلى هاتف نقال جديد، وهو أيضا مقصد أصحاب المحلات، بحكم أن محلات بلفور متخصصة أكثر في البيع بالجملة، محلات صار ينافسها باعة الأرصفة الذين احتلوا المكان وشعارهم ''البورتابل نبيعه ولا نسرقه''. واكب باعة الهواتف النقالة ولواحقها بحي بلفور، مختلف مراحل التطور الذي عرفه نشاط الهاتف النقال، فكانوا السباقين لوضع أسس النشاط المرتبط بالهاتف قبل أن يتحولوا الآن إلى مقصد لكل من يريد شراء هاتف أو تصليح آخر، وهم أيضا مصدر تموين محلات العاصمة وأحيانا بعض الولايات المجاورة لتخصصهم في البيع بالجملة. خلال حديثنا مع أحد الباعة قال ''المهنة هذه تعلمها الجميع دون الاستعانة بأي تكوين، والنشاط عرف انتعاشا بسرعة مذهلة فلتت من أي رقابة، فلا أظن أن مصالح السجل التجاري تطلب شهادة في مجال تصليح الهواتف النقالة'' ما يجعل الظن أن السلطات عضّت الطرف على بعض الممارسات. ويضيف محدثنا ''عكس ما يظن البعض فإننا نعيش من هذه المهنة لا غير فهي لا تدر علينا أموالا طائلة. فمثلا صحيح أن تحيين هاتف نقال ''آي فون 4 س'' يتم مقابل 12 ألف دينار وأحيانا 20 ألف دينار، غير أن هامش الربح الذي أتقاضاه لا يتعدى الألف أو 1500 دينار، أما الباقي فأدفع به ثمن شراء شفرة تحيين الهاتف''. واعترف المتحدث أن البعض ممن يملكون الإمكانيات يمثل لهم نشاط التحيين مصدر أموال طائلة غير أنهم يستثمرون أموالا كبيرة في شراء الشفرات ليعيدوا بيعها لنا، فضلا أن الكثير من تجار ''بلفور'' يقتنون آلات باهظة الثمن لتحيين الهواتف النقالة يصل سعر بعضها إلى 30 مليون سنتيم. المهنة عرفت ظهور بعض النشاطات الموازية، حيث يقول محدثنا ''يقوم بعض الأشخاص باقتراح تكوين في تصليح الهواتف النقالة مقابل 15 أو 20 ألف دينار للأسبوع، غير أنه يستحيل الإلمام بكل التقنيات في هذا الظرف الوجيز. ولأن محلات بلفور لم تعد تكف، عرف الحي انتشار باعة الأرصفة الذين نصبوا طاولات زجاجية يعرضون فيها مختلف أنواع الهواتف النقالة المجهولة المصدر، هؤلاء وجدوا في النشاط مصدر استرزاق يغنيهم عن مد اليد أو ممارسات يعاقب عليها القانون، كما قالها البعض في حديثهم لنا، فصرح أحدهم ''أفضل بيع الهواتف النقالة أجني منها بعض المال، أحسن لي من أن أقتحم عالم اللصوصية'' ورفض محدثنا كأقرانه الخوض في مصدر هذه الهواتف النقالة، مكتفيا بالقول أنها لأشخاص يريدون بيعها لشراء أخرى.التعايش بين المحلات والطاولات الزجاجية، تضمنه كمية الطلب الكبير، فالجزائري معروف بحبه لتغيير الهاتف النقال في ظرف وجيز، ضف الى ذلك أن هامش ربح المحلات مضمون بفضل البيع بالجملة وليس البيع للخواص. بورتريه سمير بوطمطام تحكّم في أسرار الهاتف بمفرده '' لفليكسي أنقذنا من الإفلاس بعد تراجع نشاطنا'' يقول الشاب سمير بوطمطام، 27 سنة، الذي دخل عالم تصليح الهواتف النقالة وبيع لواحقها منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، أن النشاط تراجع كثيرا عكس ما يظنه البعض، بفعل عدة عوامل أهمهما العدد الكبير من المحلات التي فتحت أبوابها في هذا المجال. في محله الصغير بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، استقبلنا سمير بوطمطام وهو منهمك في تصليح هاتف نقال أحد الزبائن، وهو ما تم في بضعة دقائق بحكم أن العطب كان طفيفا. وقال مستضيفنا ''ولجت هذا العالم بعد أن عانيت من البطالة خلال فترة، وأنا أزاول هذه المهنة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، والأكيد أن حجم النشاط تراجع كثيرا عكس ما يظنه البعض''. ويفسر سمير ذلك ''خلال السنوات الأخيرة عرف النشاط ارتفاع عدد محترفيه بسرعة البرق، فلا يوجد حي دون محل متخصص في أمور الهواتف النقالة من بيع لواحقه وتصليحها''. وأقر محدثنا أن كل من يزاولون هذا النشاط تعلموا أبجدياته لوحدهم لعدم وجود هياكل ومدارس متخصصة في ذلك. وبشأن تراجع النشاط أضاف سمير ''الآن صار بعض أصحاب الهواتف النقالة يتحكمون في بعض تقنيات التصليح الطفيفة ما يغنيهم عن الاستعانة بخدماتنا، ليقتصر عملنا الآن على الأعطاب المستعصية عليهم''. ولسد تراجع النشاط يضيف ''وجدنا في الفليكسي متنفسا، غير أن هذا الأخير أيضا أصبح اليوم منتشرا كثيرا فحتى محلات بيع المواد الغذائية تقترح خدمة شحن رصيد الهاتف النقال''. الأزمة لحقت أيضا اللواحق حيث يقول الشاب سمير بوطمطام ''في وقت مضى اللواحق كانت كما يقال ''عزيزة'' والآن تراجعت أسعارها بنسبة كبيرة''. شاهد من أهلها الأمين العام لاتحاد التجار ل''الخبر'' ''نشجع وزارة التكوين على الاهتمام بهذا الاختصاص'' يقول صالح صويلح، الأمين العام للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، أنه يستحيل تقديم رقم مضبوط لعدد التجار المتخصصين في مجال بيع لواحق الهواتف النقالة وتصليحها، طالما أن النشاط يتنامى بسرعة البرق وليس فقط على مستوى المدن الكبرى، بل أيضا على مستوى المناطق التي تبدو معزولة. هل بإمكانكم تحديد عدد مصلحي الهواتف النقالة؟ من الصعب جدا الوصول إلى تحديد عدد محترفي تصليح الهواتف النقالة، بحكم حداثة هذه المهنة، إلى جانب تخوف العديد من التجار التخصص في هذا المجال قبل تحديد حاجة السوق لهذا النوع من النشاط. في نظركم كيف يمكن تأطير هذه الحرفة ؟ ''نأسف لأن نشاط تصليح الهواتف النقالة لا يستفيد من أي تكوين على مستوى هياكل وزارة التكوين المهني، فأغلب مزاولي هذا النشاط حتى لا نقول كلهم عصاميين تعلموا فنيات المهنة لوحدهم وبفضل التجربة صاروا يتحكمون في مختلف التقنيات، وأصبحوا اليوم جزء لا يتجزأ من النشاط التجاري، بدليل العدد المعتبر من المحلات التجارية الناشطة في هذا المجال، لذا يجب تشجيع هؤلاء من خلال إضفاء نوع من الاحترافية بتقديم شهادة تكوين على مستوى الجهات المعنية ليصبح النشاط مهنة قائمة بذاتها''. الحاجة دفعتهم لأن يصبحوا عصاميين اللافت للانتباه ونحن ننجز هذا الموضوع، أن حوالي 99 بالمائة من الناشطين في مجال تصليح الهواتف النقالة، عصاميون تعلموا مختلف التقنيات بالإبحار على الانترنت، أو عن طريق أبسط طريقة وهي فتح الهاتف النقال ومحاولة معرفة مكمن الداء. ما يؤكد القوة الإبداعية للكثير من الشباب، إذ علمنا أن حوالي 60 بالمائة أو أكثر من هؤلاء لفضتهم المدرسة الجزائرية في سن متقدم. وأمام شح مناصب العمل، وجدوا في هذا النشاط متنفسا لهم، ومنهم من استطاع أن يحقق لنفسه وضعية اجتماعية مريحة من خلال فتح عدة محلات، وتوظيف شباب آخرين وبالتالي امتصاص جزء من البطالة.