بأكرم الخلق كنّا أكرَم الأمم أمّا الفرض الأوّل وهو أنّه اقتبس دينه من أحد الرُّهبان أو الأحبار، فهو فرض ينقضه الواقع التاريخي من كافة الوجوه. فمِن الشُّبهات الّتي أثارها بعض المغرضين حول صدق نبوة سيّدنا محمّد، دعواهم أنّ سيّدنا محمّد تعلّم القرآن من الراهب بَحيرَا السّاكن في مدينة بُصْرَى بالشّام وأنّه كان نسطورياً من اتباع آريوس في التّوحيد. إنّ كتب التاريخ والسِّيرة قرّرتَا أنّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لمّا خَرَج مع عمِّه أبي طالب إلى الشام كان عمره تسع سنين وقيل اثنتي عشر سنة، رآه هذا الرّاهب مع عمّه ورأى سحابة تُظلِّلُه من الشّمس، وذَكَر لعمّه أنه سيكون له شأن وحذّرَه من اليهود، وليس في شيء منها أنّ سيّدنا محمّداً صلّى الله عليه وسلّم سمع من بحيرا شيئاً من عقيدته ودينه. وقد سافر سيّدنا محمّد مرّة أخرى إلى الشّام مع ميسرة خادم سيّدتنا وأمّنا خديجة رضي الله عنها، وقد سافر سيّدنا محمّد لتجارة لها وكان له من العمر خمس وعشرون سنة، إلاّ أنّه لم ينفرد دون ميسرة وسائر تجار قريش لدراسة غيرها، بل لم يلبثوا إلاّ أيّاماً في بلدة بُصرى باعوا واشتروا وعادوا سريعاً. نزلَت آيات القرآن الكريم على حسب الحوادث والوقائع. وكانت مدة النزول القرآني ثلاثة وعشرين سنة، فلَمْ يأتِ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن جملة واحدة كالكتب المتعارف عليها ينْكبُّ الأديب عليها فترة من الزمن ثمّ يقدّمها للقرّاء بعد التنقيح وإمعان الفكر, وهذا ممّا ينفي أن يكون القرآن مستمداً من أحد أو من ذاتية سيّدنا محمّد، بل هو وَحْيٌ إلهي أوحاهُ الله لمحبوبه ونبيِّه الكريم ورسوله إلى الخلق أجمعين سيّدنا محمّد عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم.