ثلاثة ملايين مشترك في شبكة التواصل الاجتماعي عدد قليل في الوقت الذي أسقط ''الفايسبوك'' وباقي وسائل التواصل الاجتماعي أنظمة عربية بأكملها، من خلال ما يسمى بالربيع العربي، يلتف النشطاء في هذا الموقع الأكثر انتشارا وسط الشباب في الجزائر، على التغيير الإيجابي والبناء، بعيدا عن الفوضى والتخريب. ويصرّ الشباب المثقف والواعي، الذي يعتبر بأن الثورة الحقيقية تبدأ من المحيط الضيق للفرد، على ضرورة استثمار قدراتهم وكفاءاتهم الجامعية ومواهبهم لبناء الجزائر وزرع قيم الخير، وهو ما تكشف عنه ندوة ''الخبر'' حول تأثير ''الفايسبوك'' في المجتمع الجزائري، والتي جمعت لأول مرة أهم مؤسسي الصفحات الجزائرية الأكثر شعبية وتأثيرا وسط الشباب، حول طاولة نقاش واحدة، بعيدا عن المجال الافتراضي وأزرار الكمبيوتر. تحدوهم إرادة قوية لتغيير الوضع في الجزائر وقول الحقيقة بأي ثمن، وتلهث وراء صفحاتهم أهم الأحزاب السياسية من أجل الظفر ''برعاية'' لشحن المنتخبين للتصويت لقوائمهم... هم شباب يتراوح معدل عمرهم ما بين 23 و27 سنة، أسسوا صفحات إخبارية ومتنوعة على موقع ''الفايسبوك'' للتواصل الاجتماعي، فاق عدد المعجبين بها ال150 ألف كمعدل عام. ''الخبر'' جمعت هؤلاء في ندوة، حيث لم يكن أحدهم يعرف الآخر إلا عن طريق الأنترنت، والتقوا ليناقشوا راهن ومستقبل ومشاكل الناشطين في ''الفايسبوك'' في الجزائر، ما أهدافهم؟ وما اهتماماتهم؟ وهل يفكرون في خلق التغيير وتجسيد روح الثورة على الوضع؟ ومن هؤلاء أصلا؟ أن تدعو وتجمع من ينشطون في ''الفايسبوك'' لأي ندوة، ما عليك إلا استعمال لغتهم، وتستعين بأزرار لوحة مفاتيح الكمبيوتر لتتصل بهم. كان تركيزنا منصبا على أهم الصفحات التي تخطى عدد المعجبين بها 150 ألف شخص، ومن تصنع التأثير وتكون أكثر فعالية في المشهد الجزائري، بالإضافة إلى من استطاعوا تحقيق الشهرة والنجاح بفضل ''الفايسبوك''. يتفق ضيوف ''الخبر'' في الندوة الثانية التي تنظمها ''الخبر'' حول دور الشباب والناشطين في ''الفايسبوك'' في التغيير، على أنهم ''ليسوا وحوشا أو أن الفايسبوك بعبع يخيف بالقدر الذي تخاف منه السلطة في الجزائر''. ويقول رئيس مجموعة أعضاء صفحة ''دنيا بخير'' نذير شوية: ''الفايسبوك تحول إلى أداة للتأثير والتغيير في الجزائر لا يمكن تجاهلها، وعلى عكس البلدان الأخرى انتقلت العلاقات الاجتماعية من المجال الافتراضي إلى الواقع''. ويضيف ''الأمر لم يكن بالسهل، خصوصا أننا اخترنا الاتجاه الإيجابي والفعال، من خلال أعمال خيرية، ترتكز أساسا على أن تكون صفحة ''دنيا بخير'' بأعضائها مجرد همزة وصل بين من هم في حاجة للمساعدة ومن هم قادرون على إعانة هؤلاء''. ولهذا تعتمد الصفحة على نشر النداءات المتعلقة من الحاجة لأموال لإجراء العمليات الجراحية، إلى التبرع بالدم في المستشفيات للمرضى ''ولم يكن الأمر سهلا في بداية الأمر، لكننا استطعنا التحكم في الوضع ووسعنا الشبكة وقمنا بالكثير من الأعمال الخيرية''. سرعة التواصل والتغيير من جهته، يقول أحد الأعضاء البارزين في صفحة ''واحد، اثنان، ثلاثة... تحيا الجزائر''، أمين نابولي، بأن ''قوة الفايسبوك ترتكز أساسا على سرعة التواصل مع الناس أو المشتركين، فهم من أثر تأثيرا بالغا في نجاح الثورات العربية بداية من تونس وصولا إلى مصر وليبيا، كما أن الاهتمام يصبح واحدا مع مرور الوقت، وهو ما جعل الجزائريين يدعمون ثورة تونس ومصر مثلا بنشر الأخبار وحشد الدعم''. لكن المشكل الذي يطرح في الجزائر، حسب ''أمين''، هو فارق عدد المشتركين في الأنترنت من جهة والفايسبوك في الجزائر تحديدا، حيث ''لم نصل بعد إلى العدد الذي وصل إليه جيراننا في تونس أو المغرب، حيث لم يتخط عدد مشتركي الفايسبوك بداية 2012 عتبة الثلاثة ملايين مشترك''. ويرى المتحدث بأن ''خدمة الأنترنت الضعيفة والباهظة في الجزائر، وراء كل هذا، ولهذا نتساءل لماذا لم يتم تعميم استخدام الأنترنت بشكل واسع''. ويقاطع مؤسس صفحة ''المراسلون الخاصون الجزائريون'' عبد الرحمان سمو قائلا: ''المشكلة اليوم تتوقف على خدمة الأنترنت التي لا تزال باهظة الثمن وغير متاحة للجميع، لهذا نتساءل هل أن هناك سببا أو اتجاها سياسيا ينطلق من قاعدة عدم تطوير خدمة الأنترنت لمحاصرة الفايسبوك في الجزائر؟''. ويضيف ''خدمة الأنترنت عندنا هي الأغلى والأضعف مقارنة بالكثير من البلدان، ومع كل هذا نسعى لأن نصنع التعبئة والتغيير بالإرادة''. ويشاطر مغني الراب كريم الغانغ الذي حوله ''الفايسبوك'' إلى نجم، بلغة المحللين غيره ليقول ''بالفعل للأنترنت دور في فعالية تأثير ''الفايسبوك'' في المجتمع، لكن لا تنسوا بأن ما حدث مع الثورة التونسية، لم يكن لأن الأنترنت كانت متاحة لكل الشباب، بل كانوا يضطرون للتوجه لمحل خدمة الأنترنت للتواصل''، ويتابع ''الفايسبوك له تأثير فعال في المجتمع الجزائري خاصة لدى الشباب ولا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك''. والدليل على كل هذه الأهمية، أن الكثير من الأحزاب السياسية اتصلت بمؤسسي الصفحات الجزائرية الهامة على الفايسبوك، من أجل الحصول على خدمات إشهارية، باستغلال صفحاتهم التي تضم عددا هائلا من الأعضاء والمعجبين. ويقول العضو البارز في صفحة ''واحد، اثنان، ثلاثة... تحيا الجزائر'' أمين: ''الكثير من الأحزاب وحتى المترشحين الأحرار اتصلوا بنا حتى ننشط لهم حملتهم الانتخابية وهو دليل على أهمية الفايسبوك في المجتمع''. ويعتبر مغني الراب كريم بأن ''الوضع في الجزائر يختلف تماما عن تونس ومصر، ونحن لم ندعم أي اتجاه يريد أن يقود ثورة تغيير بالنار في الجزائر، لأننا نريدها ثورة تغيير إيجابي''. ومع هذا، يرى مؤسس صفحة ''المراسلون الخاصون الجزائريون'' عبد الرحمان بأن ''النقطة المشتركة بين الجزائر والوطن العربي، ''أنه رغم وجود هامش من الديمقراطية إلا أننا نعاني من نفس مشاكل القهر والقمع أحيانا، ولو لم يكن هناك الفايسبوك لما وجدنا الفضاء الأنسب لطرح المشاكل والحديث عن الصعوبات التي نواجهها''. وأضاف المتحدث ''لولا الفايسبوك أيضا لما برزت الكثير من المشاكل التي لم يكن من الممكن الحديث عنها ونشرها بالصور والفيديو، ومن هذا المنطلق فالشاب الجزائري لا يملك فضاء آخر للتعبير غير الفايسبوك، حتى أن دور الشباب التي وجدت لأجلنا تحولت إلى قاعات للحفلات، وهذا مؤسف للغاية''. ومع كل الصعوبات التي تواجهنا، إلا أننا تمكنا من الانتقال من صفحة على الفايسبوك إلى موقع إلكتروني إخباري، مع شبكة كبيرة من المراسلين في كل أنحاء الوطن. ولهذا لا يمكن تجاهل بأن ''صوت ونبض الشارع الحقيقي في الجزائر تجده في الفايسبوك''. الثورة صنعت أمجاد ''الفايسبوك'' وتشير دراسة كندية أعدت مؤخرا حول ''الفايسبوك'' والثورات العربية، إلى أن الثورة التونسية هي من صنعت شهرة وصدى ''الفايسبوك''، ولهذا لا يخفي منشطو ندوة ''الخبر''، بأن ''سبر الآراء كشف بأن أغلبية المستجوبين لم يعرفوا ''الفايسبوك'' وفعاليته إلا من خلال نجاح الثورة التونسية وإسقاط نظام الرئيس الهارب زين العابدين من علي''. ومع كل الثورات التي اشتعل لهيبها بمساعدة الفايسبوك في الوطن العربي، لا يمكن أن ينكر أحد بأن الأوضاع تختلف تماما عنها في الجزائر، ففي تونس وليبيا مثلا كانت هناك سياسة لحجب المواقع الخاصة بشبكة التفاعل والتواصل على غرار ''يوتيوب'' وهذا لم يكن يوما في الجزائر، على حد قول المشاركين في الندوة. لكن المشكل الوحيد هنا، حسب عادل فرحات من صفحة ''واحد، اثنان، ثلاثة.. تحيا الجزائر'' هو ''النظرة السلبية التي لايزال المجتمع وعدد من المسؤولين يكنونها ل''الفايسبوك'' على أنه سلاح مدمر، وعلى أنه لا يصنع غير الفوضى والعنف، ولكن على العكس من ذلك، فقد استطاع أن ينقل للعالم صورة إيجابية عن الجزائر''. ولهذا تبقى الثورة مستبعدة في الجزائر، لعدة اعتبارات، أن أهم المطالب التي يدعو إليها الشباب والناشطون عبر ''الفايسبوك'' هي التغيير الإيجابي والسلبي. ويقول أحد الأعضاء البارزين في صفحة ''ناس الخير'' محمد رؤوف أوعمان: ''الأمر يقتصر اليوم على أن نصنع التغيير في كل حي وكل مدينة في الجزائر، لنزرع القيم التي غابت نوعا ما عن المجتمع، أما انتقال شرارة الثورات العربية إلى الجزائر فهي مستبعدة لأننا عانينا من أجل الوصول للديمقراطية لسنوات، ونحن واعون بحجم الخطر''. ولا تتوقف صور الخير التي يصنعها شباب ''الفايسبوك'' عند نداءات التبرع بالدم وتقديم المساعدة بجمع الأدوية للمرضى، بل صنعت الحدث بخصوص قضية الرضيع ''منيل'' الذي لم يتمكن من العلاج إلا بعد أن أخرجت قضيته لترى النور في ''الفايسبوك'' وقبلها في الصحف ومنها ''الخبر''، وصولا إلى تنظيف الشواطئ وجمع قفة رمضان وتقديم المساعدات للمنكوبين خلال الاضطرابات الجوية الأخيرة. الوحدة تصنع المعجزات على الرغم من اختلاف توجهات الناشطين في صفحات ''الفايسبوك''، إلا أن الإرادة والأمل يحدوهم للمّ الشمل، وجعل الوحدة هاجسهم الوحيد، من أجل نقل صورة إيجابية عن الشباب. وفي هذا الصدد يقول الممرن المحترف لكرة القدم ''الفريستايلر'' وسيم ''أردت أن أوحد الشباب الجزائري حول قيم الخير والنجاح والأمل، وكذا الابتعاد عن المخدرات وكل الآفات، من خلال الموهبة التي طورتها''. ويضيف ''لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لي، لكنني أسعى دائما لأن أجعل الشباب أكثر إيجابية من خلال عروضي، كما أننا سنكون حاضرين في أول دورة لهذا الفن الكروي في الجزائر شهر جوان''. وهو نفس الأمر بالنسبة إلى زنيت محمد أمين، الذي يقول ''المهم اليوم في ''الفايسبوك'' أننا ننقل الصورة الإيجابية ونكشف عن طاقاتنا وقدراتنا، والتغيير سيكون مع مرور الوقت بأكثر سلمية وبطريقة حضارية، والقضاء على الفساد سيكون بفضل الوحدة التي تجمعنا جميعا لتغيير الوضع نحو الأحسن''. ومع كل ما يفكر فيه الناشطون في ''الفايسبوك'' إلا أنهم يطرحون الكثير من التساؤلات التي تتعلق أساسا بإمكانية وجود رقابة على ''الفايسبوك'' وقرصنة الصفحات التي تتم بشكل دائم من خلال نشاط عدد كبير من ''الهاكرز''. ويجمع هؤلاء على أنهم ليسوا إرهابيين ولا ''حرافة'' ولا سياسيين، بل يريدون مواصلة النشاط من أجل التغيير وعمل الخير. كما يتيح ''الفايسبوك'' الانفتاح على العالم، وإبراز بأن ''الناشطين على ''الفايسبوك'' في الجزائر لا يخافون من قول الحقيقة ومواجهة الأعداء''، على حد قول مؤسس صفحة ''مراسلون خاصون جزائريون''، خصوصا أن ''الفايسبوك'' في الجزائر، يكتنز خزانا هاما من الطاقات والمواهب التي تصنع المعجزات.