ما زلت أتذكر تلك المقابلة التي خصني بها رئيس الجمهورية الأسبق أحمد بن بلة في صيف 1991، عندما كانت الجزائر تشتعل على نار هادئة مباشرة بعد نهاية الإضراب السياسي وبداية اعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ. كان الرئيس مهووسا كعادته بالجزائر، حيث قال في حوار لجريدة ''الخبر'' صدر في جزأين في شهر جويلية 1991، ''سأكشف عن مخطط لضرب الجزائر''، ولا شك أن ذلك المخطط كان الإرهاب الذي عانت منه البلاد ما يقارب عشريتين. استقبلني في بيت قرب مسجد ابن باديس بالقبة بالعاصمة، وهالني منظر رؤيته أمامي لأول مرة بعدما سمعت عنه الكثير، فهو بطل من أبطال ثورة التحرير، واسم منع من التداول عدة سنوات، رافقتني الدهشة والإعجاب تلك اللحظات ومرت أمامي صور يوم اختطاف الفرنسيين لطائرته سنة 1956 وليلة إلقاء القبض عليه أثناء الانقلاب ضده سنة 1965، وبينهما رنّت في أذني كلمته الشهيرة ''حفرونا'' التي ردّدها عند هجوم المغاربة على التراب الجزائري في سنة .1963 لاحظت الكبرياء والتواضع في طبيعة الرئيس، أنيقا في شكله كعادته كان يلبس بذلة رمادية داكنة وحذاء أسود خفيفا، كان يتكلم بهدوء، بصوت خافت فيه بحّة خاصة، حتى أنني كنت أعيد سماع التسجيل أكثر من مرة لأتأكد من الكلام الذي قاله. عندما أعدت قراءة الحوار بعد إعلان خبر وفاة ''سي أحمد''، شدّت انتباهي بعض الفقرات فرأيت أن أعيد كتابتها الآن. الفقرة الأولى قال فيها ''الحكم المتردي يتحمل مسؤولية كبيرة في الأزمة التي نتخبط فيها الآن.. عباسي أراد أن يعمل كل شيء من أجل الوصول إلى الحكم''، وفي الفقرة الثانية قال الرئيس ''أشاطر إخواننا في التيار الإسلامي في بعض الأشياء فالحل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإسلام ونحن ننادي بهذا. لكننا نقول أن الأمور سهلة وإذا وصلنا للحكم سنعمل كل شيء، فهذا نعتبره تغليطا.. فمن الواجب أين يكون الإخلاص والطهارة.. ولا ينبغي أن نكذب على الناس باسم الاسلام.. ولا نتزمت ونقرأ الإسلام على طريقة القرون الوسطى''. أعتقد أن هذا الكلام ما زال صالحا الآن، لتفادي الوقوع في المحظور خلال فترة ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة في 10 ماي المقبل وأتمنى أن يتم الأخذ بهذه ''النصيحة''. في الفترة المقبلة التي تعقب 2012 كانت هذه أول مرة التقيته فيها مباشرة وكنت من الصحفيين الجزائريين القلائل الذين حاوروه. رحم الله الرئيس ''سي أحمد''.