فرض الواقع المرّ للساحة الثقافية بمنطقة الجنوب الشرقي، وبالخصوص مدينة تفرت، على مثقفيها من مختلف مشاربهم، الانزواء تاركين الساحة شاغرة لأسباب مادية بحتة، لتظل قلة قليلة ممن واصلت الدرب بإمكانياتها الخاصة تصارع على أمل أن ترى إصداراتها النور. ينتقد العديد من المهتمين بالمجال الثقافي في مدينة تفرت، السياسة المركزية المنتهجة، فجميع الأحداث الثقافية البارزة لا تخرج عن حدود الولاية، وعلى سبيل المثال المهرجانات والندوات والمسرحيات وغيرها من النشاطات الثقافية المقامة، والتي لا يصل صداها إلى البلديات المتاخمة للولاية. وتساءلوا عن دور المجالس المنتخبة في احتضان النشاطات الثقافية والفنية، في وقت لا يزال فيه المشهد الثقافي آخر اهتماماتها. ورغم المكانة التي تحظى بها تفرت، إلا أنه لا يوجد بها مركز ثقافي يلمّ شتات مثقّفيها أو يحتضن إبداعاتهم. علما أن العديد منهم تحصلوا على نتائج مشرّفة في شتى الفعاليات التي شاركوا فيها، لكنهم لم يجدوا موقفا رسميا لدعم نجاحهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مصطفى بن عبد الله الذي يملك متحفا كاملا في بيته من مخطوطات قديمة وعملات وطوابع بالآلاف وتحف نادرة وينادي منذ سنوات بقاعة تحوي أعماله حتى يتسنى عرضها للزوار. كما توقّف مهرجان مسرح الطفل، الذي كانت تشرف عليه جمعية ''البراءة'' أمام عجز الجمعية عن ممارسة نشاطاتها في غياب مقر يحتضنها. فالقراء والأدباء والشعراء يناشدون الجهات الوصية إقامة دار للثقافة كبقية المدن الأخرى. وأوضح الشاعر محمد الأخضر سعداوي في تصريح ل ''الخبر''، أن المشهد الثقافي الحالي لا يعكس تماما عدد المبدعين وتاريخ النشاط الثقافي بالمنطقة. مرجعا الأمر لعدة أسباب، أهمها الانعدام التام للهياكل الثقافية في المدينة منذ أمد بعيد إلى اليوم، يضاف إلى ذلك غياب نشاط مديرية الثقافة بالولاية في تفرت ومختلف الدوائر إلا في مناسبات قليلة، إلى جانب غياب مبادرات من طرف الجمعيات المحلية أحيانا، وتخلي الإدارة عن دعمها أحيانا أخرى، بحكم غياب ثقافة الممارسة الثقافية في الجهة لدى بعض تلك المؤسسات. فيما صرّح الروائي عبد الرزاق حاجي أن كل عناصر لا تربطها علاقة مع بعضها، فالمبدع دائما في إجازة مفتوحة وإذا أراد أن يشتغل وجد نفسه أمام جملة من المعوقات قد تقضي على مشواره الإبداعي إلى الأبد. أما الإدارة الوصية فهي أكثر من غريبة تحيط بها المزيد من علامات الاستفهام عن الدور الذي يفترض أن تلعبه اتجاه الثقافة والمبدع، خصوصا شخصيا أجد نفسي دائما أمام ثلاثة أسئلة عن هذه الإدارة الوصية ودورها اتجاه المبدع هي لمساعدته أم ضده أم هي حيادية أصلا ولمهمات أخرى ربما عثرت على جواب ذات مرة أنها نصف معه في وقت ما وظرف ما في نمط ما. أما الآن، فإن المبدع إلا من أفلت بمعجزة من هذه الدائرة المبهمة وأما الإبداع فإلى إشعار آخر ربما ستلده أرحام ليس جاهزة بعد. وفي الأخير، فإن دور الشباب حتى وإن احتضنت بين الفينة والأخرى نشاطات بعض المبدعين لكن تعد غير كافية. ويبقى المثقف في مدينة تفرت يموت في صمت بطيئ، فالمدينة اصطلح عليها تسمية مقبرة المثقفين.