لا يزال الشارع المصري متأثرا بوفاة أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية، التي تغنت وتفننت في التعبير عن حبها لمصر. بينما كنت أتبضّع في إحدى المحلات، قال لي البائع: ''من ستنتخبين في الرئاسيات؟ '' فأجبته: ''لا يحق لي التصويت لأنني جزائرية''، نظر إليّ متألما، ثم قال: ''كان جديرا أن تلتحفي السواد حزنا على وردة رحمها الله''، وظل يحكي لي عن قيمة أميرة الطرب العربي في نفسه وفي نفوس المصريين، مؤكدا أن الانتخابات الرئاسية حرمت المصريين من البكاء على وردة، فهي ليست جزائرية فقط - على حد وصفه - بل مثلها مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب.. وغيرهم. رسالة هذا الرجل البسيط تعبّر عن حالة الشارع المصري، الآن، تجاه الفاجعة الأليمة، وقد تطفئ نار غضب الجزائريين على تجاوز المسؤولين المصريين حضور جنازة وردة، فالشارع المصري هو الذي احتضنها منذ البداية، وهو الذي ودّعها في النهاية، بدليل تهافت المصريين وصراعهم داخل مسجد صلاح الدين بالقاهرة، من أجل لمس وحمل جزء بسيط من نعش أميرة الطرب العربي. بالموازاة، أعرب وزير الثقافة المصري السابق، شاكر عبد الحميد، عن أسفه الشديد إزاء التقصير والسهو ''غير المقصود'' من قبل الحكومة المصرية، التي غابت عن حضور جنازة أميرة الطرب العربي، مرجعا ذلك إلى انشغالهم بالانتخابات الرئاسية والفترة الصعبة التي تعيشها مصر هذه الأيام. وقال شاكر عبد الحميد، في حديث مع ''الخبر'': ''وردة رمز من رموز الفن العربي، وقد تربّينا على أغانيها الوطنية والعاطفية، وكمواطن مصري ومسؤول سابق أعتذر للجزائر عن خطأ الحكومة، لأن وردة تستحق كل التكريم''. من جهتها، ترى الناقدة الفنية ورئيسة قسم الفن بجريدة ''اليوم السابع'' المصرية، علا الشافعي، أن ''غياب تمثيل الحكومة في جنازة السيدة وردة تصور خاطئ وسوء تقدير''، موضحة ل''الخبر'': ''كان من المفروض أن تنظّم نقابة الموسيقيين مراسم الجنازة، وأن يحمل أصدقاؤها من الوسط الفني نعشها، خاصة بعد أن شاركت مصر أفراحها وأقراحها وغنت لمصر ولحب مصر، وكانت أمنية حياتها أن تموت على أرض مصر''. أما المخرج، خالد يوسف، فقد أكد ل''الخبر'' أن الشعب المصري تلقى خبر رحيل وردة مثل أم كلثوم، قائلا: ''نبأ فقدان السيدة وردة صاحبته حالة لوعة وحزن لم تقترب منها حالة فقدان فنان أو فنانة بهذه اللوعة إلا السيدة أم كلثوم، وأعتقد أن الحكومة غير مدركة تماما لا بقيمة الفنان المصري ولا العربي، كما أنها لم تقم بواجبها تجاه هذه العملاقة، وكان يجدر بها أن تنظم لها جنازة مصرية مثلما فعلت الجزائر''. وأضاف: ''لكن، الشعب قام بالواجب وكان ملتفّا حول الجثمان التفافا جميلا جدا، وعوض تقصير المسؤولين الرسميين والحكومة غير المدركة بقيمة مصر أصلا''. وفي السياق ذاته، أكد رئيس قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة المصرية، الدكتور خالد عبد الجليل، في تصريح ل''الخبر''، أن وزير الثقافة أصدر بيان تعزية إلى الشعبين المصري والجزائري، فور إبلاغه الخبر الأليم، كما أنه أجرى اتصالا مع سفارة الجزائر بالقاهرة لتعزية السفير، فقيل له إنه بالجزائر، وأرسل على الفور برقية رسمية إلى السفارة الجزائرية بمصر، ليبلّغ الشعب والحكومة الجزائرية بأحر التعازي، مردفا: ''وردة هي رمز من رموز مصر والجزائر أيضا، فنحن كمصريين لنا فيها الكثير جدا، ونعتبرها مصرية قبل أن تكون جزائرية. فهي، بالنسبة إلينا، تمثل أقوى رابط ثقافي ما بين مصر والجزائر، وقد بكيناها مثلما بكاها الملايين من محبيها''.