علق الكثير من الجزائريين آمالا كبيرة على الإصلاحات ''الجذرية والعميقة'' التي وعد بها رئيس الجمهورية، وتوقع الكثير أن تكون أولى تجليات هذه الإصلاحات في نتائج الانتخابات التشريعية، لكنها جاءت في نهاية المطاف مخيّبة للآمال. ورغم قناعة المواطنين بأن الفساد مستشر على جميع المستويات، إلا أنهم توسموا خيرا في تصريحات الرئيس، خاصة عندما قال إن ''الجزائر في مفترق الطرق''، واعتقدوا بأن البلاد ستأخذ ''المنعرج'' الذي يضعها على الطريق الصحيح نحو بناء الديمقراطية ودولة القانون بداية من تركيبة المجلس الشعبي الوطني. لكن عندما يصرح رئيس اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية بأن ''الانتخابات فاقدة للمصداقية والنزاهة'' ويضيف ''لو كانت عندنا الصلاحيات الكاملة لأوقفنا الانتخابات في يوم إجرائها'' من حق المواطن أن يتساءل عن مصير الضمانات التي أعطاها رئيس الجمهورية بتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. وعندما يحدث شبه إجماع لدى الطبقة السياسية، طبعا باستثناء الفائزين، بأن ''البرلمان الحالي عديم الشرعية والمصداقية أكثر من البرلمان السابق''، من حق المواطن أن يتساءل أيضا عن مغزى الإصلاحات، إذا لم تضمن بروز برلمان تمثيلي، وفي المستوى الذي يؤهله لمراجعة الدستور. وإذا عدنا قليلا إلى الوراء واسترجعنا ''جلسات الاستماع'' التي عقدها الرجل الثاني في الدولة، رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح مع الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية، واللقاءات الماراطونية لرئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي محمد الصغير باباس مع ''المجتمع المدني'' بتكليف من رئيس الجمهورية، يصبح من المشروع أن نتساءل عن الهدف من مثل هذه اللقاءات التي لم تعط أي ثمار في التجليات الأولى للإصلاحات. من هنا، يمكن القول إن البلاد لن تأخذ أي منعرج بعد التشريعيات، بل تواصل طريقها على نفس الخط المستقيم، الذي يوازي خط الطموح إلى التغيير، ولا يلتقي معه، ولابد من ضياع سنوات أخرى قبل عودة الحديث المحتمل عن المنعرج الحقيقي الذي قد يضع البلاد على السكة الصحيحة. وفي انتظار ذلك، تبقى خطابات السلطة في تناقض تام مع ما تمارسه في الواقع، ما يدفع إلى التشكيك في النوايا، ويزرع الغموض حول المرامي والأهداف، وكنا نعتقد بأن ذلك العهد في تراجع، وأن أولي أمرنا استخلصوا الدروس من التحولات التي يشهدها العالم، وخاصة في المنطقة العربية، واعتقدنا بأن البلاد قد أخذت طريقها نحو التأسيس لممارسات سياسية تتسم بالحد الأدنى من النزاهة، وتسيير يتوفر فيه قدر من الشفافية. لكن عندما يرافع رئيس الجمهورية لعدة أشهر ويعد بانتخابات ''شفافة ونزيهة''، ثم نسمع بعد ذلك بأن ''أطرافا'' تحكمت في العملية الانتخابية و''جهات'' زورت النتائج فذلك يعني ببساطة ''ما يحسبلك حساب ما يكذبلك كذاب'' سيتواصل تسيير شؤوننا بصفقات تتم تحت الطاولة، قد نعلم بشيء منها، وتغيب عنا أشياء... وأشياء.