تنوعت تفسيرات أزمة الإسمنت بين مختلف الأطراف المعنية، رغم اتفاق الآراء على المسؤولية الجماعية في الأزمة، المتمثلة في غياب الإستراتيجية لدى السلطات، وتحول المقاولين إلى مضاربين، والسياسة المافيوية لبعض مؤسسات الإنتاج والتوزيع التي خلقت عشرات الوسطاء. تجاوز سعر كيس الإسمنت في برج بوعريريج الألف دينار، رغم الوفرة الواضحة في محلات البيع بالتجزئة. وبحثا عن تفسير للظاهرة، نتقلنا إلى مؤسسة توزيع الإسمنت، لكننا لم نتمكن من الحصول على معلومات رسمية في غياب مسؤول الوحدة. أما العمال الذين إلتقيناهم في عين المكان فتحدثوا عن قانون العرض والطلب، فالوحدة تستقبل حوالي 500 طن يوميا، بينما يفوق الطلب ألف طن. وحسب أحدهم، فإن المسؤول الأول هم المقاولون وأصحاب بطاقات الإستفادة للبناءات الفردية. من جانبه أوضح أحد الناقلين الخواص المتجمعين في بهو المؤسسة أن سعر 20 طنا هو 12 مليون سنتيم، وصاحبه يبيعه ب 28 مليون في عين المكان. وأكد بعضهم أنه لا ينقل السلع لأصحابها وإنما لمحلات البيع بالتجزئة، مستشهدا بتفريغ الشاحنة مباشرة بعد خروجها من باب المؤسسة. هذا التصريح لم يعجب البعض، فحاول المكلف بالشباك إخراجنا من المؤسسة، وكان ذلك سببا للكشف عن التجاوزات في التوزيع، والتنظيم. أما الأمين الولائي للإتحاد العام للمقاولين، فأوضح أن الأزمة شلت مشاريع البناء، وأدت إلى تسريح عشرات العمال، مفسرا ذلك بغياب استراتيجية وطنية لتعويض توقف مؤسسات الإنتاج المحلية بسبب الصيانة. وأضاف أن الظاهرة تتكرر سنويا في شهر أفريل، ما يدفع المضاربين إلى التخزين بداية شهر مارس، مع مباشرة تقليص الكميات الموجهة لبرج بوعريريج من عين الكبيرة بسطيف، ما يجبر المقاولين على اللجوء للسوق السوداء. ونفى المتحدث أن تكون مؤسسات الإنجاز الحقيقية وراء ظاهرة ''الترابندو''، متسائلا عن آليات المراقبة في كبح ذلك، وعدم تكليف المؤسسات المنتجة باستيراد إحتياط لتلبية حاجة زبائنها خلال فترة التوقف. ومن جانبه دعا ممثل المقاولين في الغرفة التجارية السلطات المحلية للتدخل لحماية المشاريع الكبرى والإستراتيجية بتموينها بالمادة. مديرية التجارة في ردها أوضحت أنها شكلت فرقة خاصة لمحاربة الظاهرة وقامت ب 35 تدخل حولت خلالها 9 محاضر عدم احترام الأسعار وعدم فوترة إلى العدالة. السكن الريفي والمقاولون الصغار الأكثر تضررا بجيجل إضطر مئات المستفيدين من السكن الريفي، بولاية جيجل، إلى توقيف أشغال البناء بسبب استمرار غلاء مادة الإسمنت، وعجزهم عن اقتنائها بالأسعار المطبقة، باعتبار أن الإستمرار في الأشغال سيجعلهم ينفقون الجزء الأكبر من الإعانة المالية التي استفادوا منها والمقدرة ب 70 مليون سنتيم، في مادة الإسمنت، ويعجزون عن توفير باقي المواد الأخرى من رمل وحصى وحديد، إضافة إلى تكاليف أشغال البناء. ونفس المشكل يلاقيه المقاولون الصغار المكلفون بإنجاز مرافق عمومية، والذين اضطروا إلى توقيف الأشغال، إلى غاية انخفاض أسعار الإسمنت، بإعتبار أنهم حازوا على الصفقات بأسعار وحدوية للمتر المكعب من الإسمنت المسلح مضبوطة على أساس أن سعر الكيس الواحد لا يتجاوز 400 دينار، في حين لاحظنا خلال جولة قادتنا هذا الأسبوع عبر بعض حظائر بيع مواد البناء أن الأسعار تراوحت بين 610 دنانير بالنسبة للإسمنت المعبأ في الأكياس البلاستيكية و 720 دينار للمعبأة في أكياس الورق والمستوردة من إسبانيا والبرتغال. وحسب أحد تجار مواد البناء، فإن الغلاء ناجم بالأساس عن الندرة الكبيرة في الإنتاج المحلي، ومرور الإسمنت المستورد عبر عدد من الوسطاء قبل وصوله إلى نقاط البيع بالتجزئة، إضافة إلى تكاليف النقل والتعليب بالنسبة للإسمنت الذي يجلب في صهاريج. ''البزنسة'' ترفع سعر كيس الإسمنت إلى 900 دينار بسطيف شهدت مختلف مناطق ولاية سطيف مضاربة وبزنسة غير مسبوقتين في مادة الإسمنت، حيث قفز سعر الكيس الواحد إلى حدود 900 دج، مما أثر على المشاريع الخاصة والعمومية. وأكد الكثير من تجار هذه المادة عبر إقليم مدينة سطيف أن الطلب تضاعف في الأشهر الثلاثة الأخيرة في مقابل نقص العرض، مما جعل سعرها يرتفع، متهمين جهات نافذة في أوساط المقاولات الخاصة بالبزنسة في هذه المادة، وظهور تجار طفيليين نصبوا أنفسهم وسطاء بين أصحاب ملفات الإستفادة المباشرة من مصنع الإسمنت بعين لكبيرة، وبين طالبي الإسمنت الخواص، مما أثر على السير الحسن لمشاريع السكنات الفردية التي توقف معظمها بسبب غلاء التكاليف. وقد أخلى المدير العام لمجمع الإسمنت بعين الكبيرة، لوصيف حصوص، مسؤولية المصنع في ارتفاع الأسعار، وأرجعه إلى نقص الرقابة من المصنع وإلى غاية الزبون الحقيقي للإسمنت. وعن فترة صيانة الفرن الرئيسي للمصنع في أفريل الماضي، والذي نسب إليه سبب المضاربة، أكد أن العملية تسبقها زيادة في الإنتاج لتزويد المخازن الخمسة للمجمع، حيث وصلت الكمية المخزنة إلى 83 ألف طن، وهي تقارب المعدل الشهري للإنتاج المقدر ب 90 ألف طن بقدرة توزيع تقدر ب 5 آلاف طن يوميا، بدليل أن المصنع أنتج ما يقارب 490 ألف طن إلى غاية 5 جوان الجاري. من جهته أرجع مدير التسويق بالمؤسسة، بوبلوطة حمو، سبب الخلل إلى الضغط الكبير من طرف المتعاملين بسبب فارق السعر، حيث يباع كيس الإسمنت في عين الكبيرة ب 360 دج، فيما يباع نفس الكيس في مصانع الخواص وخاصة شركة ''لافاراج'' الفرنسية ب 560 دج، مما يفسر تسجيل قرابة 29 ألف زبون، منها 10 آلاف ملف خاص بالسكن الريفي تقدر إحتياجاتها بحوالي 850 ألف طن، غير أن الأولوية التي تعطي لمشاريع القطاع العمومي خاصة السكن والطرقات، جعلت الخواص يضطرون لشراء كميات من السوق السوداء لاستكمال سكناتهم الفردية. مقاولات على حافة الإفلاس بباتنة أدى إرتفاع سعر الإسمنت إلى 950 دج في السوق السوداء ومتاجر بيع مواد البناء بباتنة، إلى توقف جل المشاريع خاصة تلك التي أسندت للمقاولات الخاصة التي تنتظر إنخفاض السعر لمواصلة إنجاز مشاريعها، وفرض أيضا بطالة غير محددة المدة على الكثير من البنائين القادمين من ولايات بعيدة للعمل لدى هذه المقاولات. وتشير المعطيات إلى توقف ما يقارب 70 مقاولا عن العمل في القطب العمراني حملة 3 الذي يضم 71 مشروعا في إطار السكن التساهمي قيد الإنجاز، إضافة إلى 1600سكن إجتماعي لم تكتمل أشغالها، وتوقفت أيضا مشاريع مرافق تربوية في الجهتين الشرقية والجنوبية للولاية ومؤسسات إستشفائية وتكوينية. وأكد أحد المقاولين ل ''الخبر'' أن التكفل باليد العاملة التي يشغلها يتطلب يوميا صرف أموال تخص الوجبات والمبيت، لم يعد قادرا عليها بعد التوقف عن العمل إثر تضاعف سعر كيس الاسمنت بثلاث مرات. في حين قال صاحب محل لبيع الإسمنت بحي بوعقال بوسط المدينة أنه لا يبيع سوى عددا محدودا من الأكياس يوميا يشتريها بعض المواطنين، أما المقاولون فلا يقصدون محله إلا في الضرورة القصوى. سوق أهراس نصف احتياجات المقاولات من السوق السوداء يجمع المقاولون بولاية سوق أهراس على أن وضعية التموين بمادة الإسمنت لازالت على حالها منذ عدة سنوات، وأنها تسببت، إلى جانب تذبذب الأشغال وتعطيلها، في ارتفاع تكاليف الإنجاز بالنظر لارتفاع سعر كيس الإسمنت إلى حدود الضعف. تتزود ولاية سوق أهراس بهذه المادة من مصنع حجار السود، بكمية لا تكاد تغطي نصف الإحتياجات، الأمر الذي يفرض الإستنجاد أحيانا بمصنعي الماء لبيض في ولاية تبسة ومصنع المسيلة، ولكن بطلبات قليلة جدا. وذكر مسؤول بكنفدرالية أرباب العمل أن مشكل الإسمنت ظل هاجسا كبيرا سواء بالنسبة للمقاولات أو للمواطنين الذين يعانون بدورهم في الحصول عليه بأسعار معقولة. وأوضح أن سعر الكيس في هذه الفترة يتراوح بين 700 و 800 دينار في أحسن الأحوال لدى تجار التجزئة، في حين أن السعر الرسمي محدد ب 420 دينار، حيث يعمد هؤلاء إلى التلاعب والمضاربة من أجل تحقيق الربح السريع بحجة ارتفاع تكلفة النقل واليد العاملة. وأرجع نفس المصدر هذه الظاهرة لغياب الرقابة من طرف المصالح المعنية من جهة، واستقرار طاقة إنتاج المصانع من جهة ثانية رغم تزايد الطلب. وشكلت وضعية تموين ولاية سوق أهراس بمادة الإسمنت، في السنوات الأخيرة، تحديا كبيرا لبرامج التنمية، حيث لم تفلح الحلول المؤقتة في تجاوز الأزمة التي تسببت في تأخر إنجاز بعض المشاريع وعدم انطلاق البعض الآخر. أم البواقي الأزمة تجمد عشرات المشاريع إستفادت ولاية أم البواقي من مئات المشاريع في مجال السكن والتجهيزات العمومية، لكن أغلبها لا يسلم في آجاله بسبب ندرة الإسمنت الذي أصبح سلعة نادرة لا يمكن الحصول عليها إلا من السوق السوداء وبأسعار خيالية وصلت إلى 1200دج للكيس الواحد. وفي تفسيره لهذه الظاهرة قال السيد عبد المجيد ياحي رئيس المكتب الولائي للإتحاد العام للمقاولين الجزائريين أن الأزمة بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بسبب نقص العرض والتزايد المستمر للطلب. وأضاف أن ما يحصل عليه المقاولون من الدولة لا يغطي نسبة 30 بالمائة من احتياجاتهم، مما يجعل الكثير منهم يلجأون إلى السوق السوداء، فيما يفضل آخرون توقيف الأشغال إلى غاية انفراج الأزمة. وحسب المتحدث فإن أسباب الندرة تعود إلى سوء تسيير العملية الإنتاجية حيث قال ''رغم الأزمات المتعاقبة التي شهدها سوق الإسمنت، إلا أن القائمين على المصانع لم يغيروا من سياساتهم وبقوا يسيرون بنفس الوتيرة، وهو ما جعل الطلب يفوق العرض بكثير، ويتسبب في تأخر العشرات من المشاريع'' . وكان للأزمة التي عاشتها تونس الأثر الكبير أيضا على عملية التمويل بهذه المادة الحيوية، حيث كان مصنع أم خليل يمون 10 ولايات من شرق البلاد، في حين عجزت مصانع المسيلة، الحامة بقسنطينة، الماء الأبيض بتبسة، حجار السود بعزابة، عين توتة بباتنة وعين الكبيرة بسطيف عن ذلك. وحسب رئيس مكتب إتحاد المقاولين، فإن إنفراج الأزمة مرهون بإعادة النظر في السياسة الإنتاجية للمصانع التي بإمكانها تحقيق الاكتفاء الذاتي والوصول إلى غاية التصدير في حال توفر الإرادة لدى مسؤولي هذه المؤسسات والتحكم أكثر في عملية الانتاج.