''ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر.. ويل لأمة تحسب المستبد بطلا وترى الفاتح المذل رحيما.. ويل لأمة سائسها ثعلب وفيلسوفها مشعوذ وفنها من الترقيع والتقليد.. ويل لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل وتودعه بالصفير لتستقبل آخر بالتطبيل والتزمير''... هذه الكلمات للفيلسوف والكاتب والشاعر والرسام اللبناني الأمريكي جبران خليل جبران، وهي تنطبق على جل البلدان العربية بما في ذلك الجزائر، التي تحتفل هذه الأيام بالذكرى الخمسين للاستقلال، والتي يجب أن تكون وقفة للتأمل والتمعن فيما تحقق وما لم يتحقق. صحيح أن الجزائريين يركبون سيارات لا تصنع في بلادهم، ويأكلون مما لا ينتجون ويلبسون مما لا ينسجون، وصحيح أيضاً أن الجزائر تستورد الدواء وتستورد الأفرشة التي ينام عليها مواطنوها ويتغطون بها، وتستورد حتى العقاقير التي تحارب بها الحشرات الضارة، بل ويستوردون ''المايونيز''، على حد تعبير الرائد سي لخضر بورفعة، وصحيح كذلك أن الجزائر لا تنتج شيئا خارج ثروة البترول والغاز... وصحيح وصحيح وصحيح... لكن اعتقد أن الجزائر تزخر بتراث ثقافي كبير بكبر مساحتها، ولها من الفنانين ما يكفي لجعل الاحتفال الرسمي بالذكرى الخمسين للاستقلال جزائريا مائة بالمائة، أقول الرسمي وأقصد الحفل الذي حضره رئيس الجمهورية بمسرح الهواء الطلق ''الكازيف'' بسيدي فرج، حيث عكفت الفرقة اللبنانية كاركالا مطعّمة ببعض الجزائريين، منذ مدة طويلة، على تحضير ملحمة عيد الاستقلال لتعرض أمام رئيس الجمهورية في الحفل الرسمي لتدشين برنامج احتفالات عيد الاستقلال، وبعيدا عن التقليل من إمكانيات فرقة كاركالا المعروفة، وأنا من المعجبين بها، إلا أن برمجتها في مثل هذا اليوم بالذات لتنشط الحفل الرسمي غير لائق، لأن الرمزية في مثل هذه المناسبات والمحطات مهمة جداً. كان بإمكان القائمين على برنامج الاحتفال برمجة فرقة كاركالا في مكان آخر غير الذي يعطي فيه رئيس الجمهورية إشارة انطلاق الاحتفالات الرسمية، وأن نعتمد على الفرق الجزائرية التي برهنت في العديد من المناسبات بأنها قادرة على رفع التحدي، وقد حدث هذا في العديد من المناسبات... كان من الأجدر بالقائمين على إعداد البرنامج أن يجعلوا من هذه المناسبة فرصة لامتزاج ثقافتنا المتنوعة، وفرصة لنقف عند واقع وحقيقة منتوجنا وإبداعاتنا بعد خمسين سنة من الاستقلال، لأنه، ومهما كانت قيمة العمل، فهو يعبّر عن واقع ثقافتنا وتراثنا وستكون مناسبة لتقييم عملنا في هذا المجال. [email protected]