هذه اللّيلة المباركة الموعودة المشهودة الّتي سجّلها الوجود كلّه في فرح وغبطة وابتهال، ليلة القدر. ليلة التّقدير والتّدبير ''فيها يُفرَق كلّ أمر حكيم'' ليلة الاتصال المطلق بين الأرض و الملأ الأعلى، ليلة بدء نزول هذا القرآن المجيد من الربّ الحميد الفعّال لما يريد على قلب سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم المبعوث كافة إلى النّاس بشيرًا ونذيرًا ورحمة للعاملين. قال تعالى: ''إنّا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتى مطلع الفجر'' سورة القدر. واللّيلة الّتي تتحدث عنها السورة الكريمة هي اللّيلة الّتي جاء ذكرها في سورة الدخان: ''حم والكتاب المُبين إنّا أنزلناه في ليلة مباركة، إنّا كنّا منذرين، فيها يفرق كلّ أمر حكيم أمرًا من عندنا إنّا كنّا مرسلين رحمةً من ربّك إنّه هو السّميع العليم''. والمعروف أنّها ليلة من ليالي رمضان المعظم، كما ورد في سورة البقرة: ''شهرُ رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّنات من الهُدى والفرقان'' أي الّتي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرّسول الكريم سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقد بلغ الأربعين من عمره الشّريف، ليبلّغه إلى النّاس. وفي رواية ابن إسحاق أنّ أوّل الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتحنث في غار حراء. قال جلّ ذكره: ''اقرأ بسم ربّك الّذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربُّك الأكرم الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم'' العلق.15 وليلة القدر المباركة مختصة بالعشر الأواخر في ليالي الوتر من رمضان لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث متفق عليه عن أبي سعيد الخدري وأبي ذر رضي الله عنهما: ''التمسوها في العشر الأواخر من شهر رمضان في كلّ وتر''. وأرجح الأقوال عند العلماء أنّها ليلة السابع والعشرين من رمضان. قال أبي بن كعب رضي الله عنه فيما رواه الترمذي وصحّحه: ''والله لقد علم ابن مسعود أنّها في رمضان وأنّها في ليلة سبع وعشرين ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا''.