المؤسسات الاقتصادية الجزائرية تصرف مليارا على كرة القدم ولا تصرف سنتيما على الكتاب فتح حميدو مسعودي، محافظ الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، في طبعته السابعة عشر، التي اختتمت السبت الماضي، النار على دور النشر الجزائرية. وقال في حوار مع ''الخبر''، أنها لا تملك ثقافة الترويج لنفسها، كما انتقد بعض دور النشر العربية التي أدخلت كتبا رغم منعها. موضحا أن الرقابة شرّ لا بد منه في كل دول العالم. مشيرا إلى أن الجزائر انتقلت من منع 3 آلاف كتاب في سنة 2000 الى 300 كتاب سنة .2012 كما اقترح المتحدث أن يتم بناء جناح خاص بالصالون في الصنوبر البحري بمقاييس المعارض العالمية وبطوابق ومصاعد أيضا، على شاكلة ما هو موجود في أبو ظبي. ما هو تقييمكم الأولي للطبعة السابعة عشر للصالون الدولي للكتاب؟ بدأ التحضير للطبعة السابعة عشر من الصالون الدولي للكتاب بالجزائر منذ شهر أفريل الماضي. أي ابتداء من اليوم الأول لترسيمي محافظا له. وقد حاولنا بكل الوسائل أن نكون في الموعد وبمستوى سمعة صالون الجزائر. وأستطيع أن أقول أننا حققنا كل الاهداف التي سطّرت مسبقا على أن يبق التقييم الحقيقي لأهل الاختصاص من ناشرين وللجمهور وأيضا الإعلاميين. هل رقم مليون و200 ألف زائر يعكس بصدق ارتفاع مستوى المقروئية في الجزائر؟ أؤكد في هذا الإطار، أن اتهام الجزائري بالعزوف عن القراءة ليس صحيحا. الجزائريون يقرأون ونسبة المبيعات وعدد الزوار تعكسان هذه الحقيقة. بالإضافة الى الارتياح الذي أبداه الناشرون المشاركون الجزائريون والأجانب من مختلف الاختصاصات، (الرواية، التاريخ ،الكتاب العلمي وغيرها)، خاصة من الأرباح المحققة. أما إن كان القصد، نوعية المقروئية، فصعب جدا أن نقوم بإحصاء حقيقي وواقعي، لأن دور النشر لا تعطي الأرقام الحقيقية، سواء بالنسبة للأرباح أو نوعية الكتب التي بيعت وعدد النسخ. لكن الشيء المؤكد أن كل من دخل الى المعرض اشترى على الأقل كتابا. وأشير هنا إلى أن عملية إحصاء الزوار في حد ذاتها تبقى مستحيلة إذا لم نفرض تذكرة للدخول. وقد اقترحنا على وزيرة الثقافة هذا الحل ولو بالدينار الرمزي فرفضت، وقالت إن الدخول يبقى مجانيا وفي هذه الحالة من الصعب إجراء إحصائيات دقيقة. ما ردة فعل الناشرين على إعادة الصالون إلى قصر المعارض بالصنوبر البحري وهل تم تحقيق نفس النتائج؟ عبّر كل الناشرين الأجانب والعرب والجزائريين عن رضاهم بنتائج الصالون والمبيعات وإن كان هناك بعض التحفظات من بعض الناشرين، لكن هذا لا يمنع من أن الطبعة السابعة عشرة كانت ناجحة.. لكن ما أريد أن أوضحه هنا، أن الدولة الجزائرية ووزارة الثقافة اختارت إقامة الصالون في قصر المعارض، ونحن على استعداد للتحدث مع أي ناشر جزائري وإقناعه بصلاحية المكان، لكن ليس من حق الإخوة العرب والأصدقاء الأجانب، أن يملوا علينا أين نقيم المعرض، أو أن ينتقدوا مكانه. لقد جاء بعض الإخوة العرب وقالوا لي أن الصالون في 5 جويلية أحسن، وهنا أؤكد مرة أخرى بأننا أسياد في بلادنا نقيمه في ''5 جويلية'' أو في ''سافكس''، هذا لا يخص إلا الجزائريين، فمن أعجبه الأمر يشارك، ومن لم يعجبه يعتذر عن المشاركة. ما هي المشاكل التي سجلتها المحافظة وشكاوى الناشرين أو الزائرين؟ لم نتلق أي شكوى من الناشرين الأجانب أو العرب، ما عدا بعض الناشرين الجزائريين، وتتعلق بالتواجد في الجناح المركزي وهذا صعب جدا. مساحة الجناح المركزي 8000 متر مربع واحتياجاتنا 14000 متر مربع، وكل الدور أرادت أن تكون فيه وهذا مستحيل. اشتكى الناشرون من عدم وجود التهوية بالجناح المركزي ما ردكم على ذلك؟ تتحمل مؤسسة قصر المعارض مسؤولية عدم وجود التكييف، كمحافظة قمنا بتأجير المكان فقط. وقد حاولنا إيجاد حل لهذا المشكل، لكن للأسف كل التقنيين والمختصين أكدوا أن العملية صعبة بعد انطلاق الصالون. أكيد أنكم كمحافظ للصالون ومدير عام للمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية منذ سنة 1997، لديكم رؤية لتطوير الصالون هل من خطوط عريضة؟ زرت عددا كبيرا من المعارض الدولية، سواء معرض باريس أو أبو ظبي. والصالون الدولي للكتاب في الجزائر لا يقل أهمية عن هذه الصالونات من حيث عدد الزوار وعدد الدور المشاركة ونوعيتها، ولذلك أرى أنه من الضروري إعادة النظر في مكان العرض، خاصة الجناح المركزي. واقترح أن يهدم نهائيا ويقام في مكانه مبنى بمقاييس عالمية، سواء التهوية المركزية، الإضاءة الأرضية، حتى نتخلص من البساط ويكون بطوابق ومصاعد ومراحيض ذات معايير عالمية، وهكذا نعطي للصالون صبغة عالمية حقيقية وإلا سنبقى كل عام نشتكي من نفس الأمور التنظيمية التي تعيق عمل الجميع. تم التحفظ على 300 كتاب.. إلى متى ستبقى الرقابة على الكتاب في الجزائر وهل تم سحب كتب أثناء العرض بعد التبليغ عنه؟ أكدنا في النظام الداخلي للصالون ولكل الناشرين، ضرورة التركيز على الكتاب العلمي والجامعي والتاريخي وكتاب الطفل. وقد تحقق ذلك مع وجود بعض التجاوزات. لكن يبقى أن المراقبة ليست من اختصاص محافظة الصالون، بل لجنة مكونة من ممثلي وزارات الثقافة والداخلية والشؤون الدينية والأوقاف والدفاع. للإشارة فقط، فقد تم التحفظ سنة 2000 على 3 آلاف عنوان، بينما 300 عنوان فقط في سنة 2012 وهذا تطور ملحوظ. والرقابة معمول بها في كل الدول، فلا يعقل أن أدخل مثلا كتب تصدر فتاوى تتنافى مع المذهب المالكي، خاصة أن السنوات الأخيرة شهدت فوضى كبيرة في هذا الجانب، فأصبح كل من هبّ ودبّ يصدر فتوى ويضعها في كتاب. لا يمكن أن تسمح الجزائر بالتشويش على أفكار المجتمع أو المساس بثوابته وثقافته وعاداته وتقاليده وأخلاقه وقيمه..لكن بالمقابل لم يتم سحب أي كتاب من على الرفوف بعد انطلاق الصالون. هل يمكن بعض العناوين أو الأمثلة ؟ مثلا .. من الكتب التي تم التحفظ عليها، كتاب ديني يضم فتوى تحلّل التدخين في رمضان، وآخر يحمل عنوان ''فن النكاح''، فهل يمكن أن نسمح بهذا.. فهل هذا ما ينقص الجزائريين وما هم بحاجة اليه . أؤكد في هذا الصدد أن بعض دور النشر العربية أعلمناها بمنع بعض الكتب بعد إرسال القوائم الأولية، ومع ذلك أحضرتها. بينما حاولت بعض دور النشر إعطاء جمالية أكثر لأجنحتها بالصالون، هناك البعض ما زال متأخرا جدا في هذا المجال. ماذا يقول محافظ الصالون في هذا الأمر؟ للأسف الشديد بعض دور النشر الجزائرية لا تبحث إلا عن الربح، قد يبحث عن مكان لائق في الصالون، لكن لا يحاول تحسين صورة جناحه وجماليته ويقدم جناحا بتزيين جميل يلفت النظر ويشرّف اسم الدار وكذلك الصالون. كما أن دور النشر مقصرة جدا في عملية الترويج لنفسها، لا تتعب نفسها في استصدار قصاصات تعرف بإنتاجها الجديد وتوزّعها على الزوار ولا بملصقات لتعلن عن البيع بالتوقيع سواء في الصالون أو خارج الأجنحة الرئيسية. للأسف ليس لديهم ثقافة الترويج والإشهار وهذا يؤثر أيضا على مبيعاتهم. كل التظاهرات الثقافية في العالم تدعم من طرف مؤسسات اقتصادية خاصة أو عمومية، مقابل الإشهار لمنتوجها، إلا في الجزائر تتكفل الدولة بكل شئ ما هو نداءكم؟ لم نصل في الجزائر إلى ثقافة دعم الثقافة لدى الصناعي أو رجل الأعمال الجزائري للأسف، بالعكس قد يصرف الملايير على فريق كرة القدم أو لاعب، ولا يدفع سنتيما واحدا لأي نشاط ثقافي ولو كان لصالح منتوجه، خاصة أن عدد الزوار يتوزع على أكثر من أسبوع ويحضر من 48 ولاية. أتمنى أن نصل يوما الى شراكة حقيقية بين الثقافة والمؤسسة الاقتصادية وهنا أهنئ بعض المؤسسات التي تعد على أصابع اليد الخمسة على دعمها. شهدت الندوات المنظمة عزوفا من الجمهور، ما السبب وهل من إجراءات مستقبلية لتفادي ذلك؟ اعترف، وهذا نقد ذاتي، أننا قصّرنا في هذا الجانب، خطأ منا كمحافظة إننا لم نسهّل على الزوار وحتى الإعلاميين عملية الوصول إلى القاعات التي كانت بعيدة أو غير معروفة. لكن في العام القادم إن بقيت على رأس محافظة الصالون، سنخصص قاعات في خيم أمام الجناح المركزي، وتجهّز بما يلزم لإنجاح النشاطات الفكرية الموازية. لكن أشير إلى أن الملتقى التاريخي الذي نظم بفندق الهيلتون شهد نجاحا كبيرا وتنظيما رائعا بشهادة الجميع. أخيرا ما هي محاسن الطبعة السابعة عشر التي خرجتم بها؟ أولا وجود الميترو والترامواي الذي سهّل عملية التنقل للصالون، ثانيا كثير من دور النشر خصصت تخفيضات على الكتب وصلت إلى 30 بالمائة .. هناك البيع بالتوقيع الذي كان أيضا ناجحا وشهد إقبالا كبيرا، مشاركة بعض المؤسسات الثقافية في التنشيط الثقافي وأذكر هنا الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي التي قدمت نشاطا رائعا وكذلك جناح ''روح الباناف''.