أثنى الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز على الذّاكرين والذّاكرات، وجاء النِّداء لعباده المؤمنين بالإكثار من ذِكْره والتّحذير من الغفلة عنه، وذلك لشدّة حاجة العباد إلى الذِّكر، وعدم استغنائهم عنه طرفة عين، فقال جلّ وعلا: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالّين × ثُمَّ أفيضوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ × فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءكم أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} البقرة:198-200. الذِّكْر في الحجّ عظيم، ومنزلته عالية، فما تقرَّب المتقرّبون بمثله، ولا شرّعت العبادات إلاّ لأجله، قال الله تعالى: {واذكروا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ معدودات} البقرة:302، وقال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ × لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} الحج:27-28. وأعظم أذكار الحجّ التّلبية، فهي عنوان الحجّ، وشعار الحاجّ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أفضل الحجّ: العجّ والثجّ''، رواه الترمذي وغيره. والعجّ: التّكبير والتّلبية، والثجّ الذّبح. وأفضل الذِّكر لا إله إلاّ الله، والحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، وهنّ الباقيات الصّالحات، ومنه: سبحان الله وبحمده، فمن قالها في اليوم مائة مرّة غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر. ومن الأذكار: سبحان وبحمده، وسبحان الله العظيم، فهما كلمتان خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان للرّحمن. ومن الأذكار العظيمة: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، فمن قالها في اليوم عشر مرّات فكأنّما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل. ومن قالها مائة فكأنما أعتق عشرة أنفس، وكتبت له مائة حسنة، وحطّت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزًا من الشّيطان يومه ذلك. ومنها أيضًا: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فهي كنز من كنوز الجنّة، ولها تأثير عجيب في حمل الأثقال، ومكابدة الأهوال. ومن مواطن الذِّكر في الحج الذِّكر على الصّفا والمروة، يقول جابر، رضي الله عنه، وهو يصف حجّته صلّى الله عليه وسلّم: ''فبدأ بالصّفا، فرقى عليه حتّى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده''. وكذلك يوم عرفة، وخصوصًا شهادة التوحيد بإخلاص وصدق، لما ثبت عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''خيرُ الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير''. ومن المواطن الّتي ينبغي على الحاج ألاّ يفرّط فيها ذِكر الله في المزدلفة من بعد الفجر إلى أن يسفر جدًا، لقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالين} البقرة:198. ومنها الإكثار من ذِكره سبحانه بعد قضاء المناسك والفراغ منها، لقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللهَ كذِكركُم آباءكم أو أشدّ ذِكْرًا} البقرة:200. وآكدها الاستغفار الّذي هو ختام الأعمال الصّالحة، ولهذا أمر الله وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من عرفات، وهو أجلّ المواقف وأعظمها، فقال سبحانه: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا الله إنّ الله غفور رحيم} البقرة:199.