فضحت سنة 2012 كل المسؤولين، وعرّت كل من ظن بأنه قادر على أداء عمله، فعاش الآلاف بردا لم يسبق له مثيل، بسبب أزمة قارورة غاز البوتان، التي لم يصدّقها العالم بأسره، لأننا بلد الغاز أصلا. وعلى الرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها الاضطرابات الجوية، الذي كان كبيرا، إلا أن عزلة الآلاف وسط المدن بسبب ''زخات المطر'' والثلوج لم تغتفر أبدا. عندما كان يكفهر وجه السماء، طيلة الشتاء، كان الجميع في المدن والقرى يترقب الكارثة، في جزائر كتب عليها ''الشقاء'' مع أمطار الخير، التي حولها تهاون المسؤولين إلى سيول جارفة. وعاشت 32 ولاية، طيلة أشهر الفصل الماطر، حالة من الرعب، دفعت بعدد من السكان إلى هجرة منازلهم، بعد أن ضاقت بهم كل السبل، تاركين وراءهم الماشية والحقول، خوفا من غضب الطبيعة وتهاون المسؤولين. وقتل البرد في الشتاء المواطنين، بعد أن بلغ سمك الثلوج في المرتفعات، خاصة في جيجل وميلة وسكيكدة وتيزي وزو وبجاية، أزيد من مترين، في غياب آليات وعتاد إزالة الثلوج المتراكمة، التي ''قبضت أرواح الأبرياء''، بسبب ضعف تسيير الأزمة التي لم تحل إلا بعد تدخل الجيش وتطوع المواطنين و''ناس الخير''. وظلت صور العزلة عالقة في أذهان الجزائريين، وأرختها صور مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفايسبوك، وكيف سار المتطوعون على الأقدام في هبة تضامنية، حاملين معهم الشموع والزاد وقارورات غاز البوتان على الأكتاف لإنقاذ سكان القرى. وشهدت عدة ولايات، منها خنشلة والعاصمة وبومرداس والبويرة والجلفة والأغواط، احتجاجات عارمة بسبب انعدام قارورات غاز البوتان، التي وصل سعرها إلى 1200 دينار للقارورة، وتدافع المواطنون في طوابير لا متناهية، أحدثت ما عرف بتجارة قارورة البوتان بثلاثة أضعاف سعرها، وقادت إلى تدخل الشرطة والبلدية لتمكين سير عملية التوزيع. وقد دفعت هذه، الأزمة التي مست جل ولايات الشرق أين يستثمر خمسة خواص، إلى غلق مصانعهم وتسريح العمال، ووضعت ''نفطال'' في اختبار صعب، حال دون تمكنها من تسيير الوضعية، بسبب سوء التخطيط والدراسة. وامتدت آثار الاضطرابات الجوية إلى ملاعب كرة القدم، حيث جمدت الرابطة الاحترافية الجزائرية لكرة القدم المنافسة الوطنية، برابطتيها الأولى والثانية، بسبب أزمة الثلوج في فيفري. وقال رئيس الرابطة الوطنية، محفوظ قرباج، بأن تأجيل المنافسة يعود إلى الاضطرابات الجوية التي تشهدها أغلب المدن الجزائرية التي تحولت ملاعبها من أرضية خضراء إلى بيضاء مكسوة بالثلوج. ومع أن خطر الانهيارات وتسرب المياه والفيضانات، ظل من يوميات الجزائريين طيلة الشهر الماطر، إلا أن الوضع كان كارثيا بحسب متتبعين ومختصين، خصوصا وأن الجزائر تملك كل ما يتيح لها تجاوز أي أزمة كانت، فما بالك بغاز البوتان والخبز والحليب في عز الشتاء، الذي تحول توفيره إلى ''مهمة شبه مستحيلة''، فضحت التسيب والفشل الذي كان يستدعي استقالة الحكومة، التي كان يقودها أحمد أويحيى، لكن لا حياة لمن تنادي. ومع أن ما حل بالجزائريين، في شتاء العام الذي ينقضي الآن، ظل درسا لا ينسى بالنسبة للمواطن، فإنه لم يرتسم بعد في ذهن الحكومة، وعلى الأقل لدى مصالح شركة توزيع وتسويق المنتوجات البترولية ''نفطال''، التي تقول بأنها اتخذت تدابير جديدة لضمان توفر غاز البوتان خلال هذا الفصل، من خلال استحداث 12 مركزا لتعبئة البوتان الفوري بالمناطق المحتمل أن تعزلها الثلوج، وفتح 300 نقطة بيع جديدة، فضلا عن تعزيز السوق بنصف مليون قارورة، لتفادي تكرار سيناريو الندرة الذي سجل خلال التقلبات الجوية، فهل يتحقق ذلك فعلا؟