أمّا إماتة النّفس: فالنّفس هي البلاء الأكبر للعالم، حيث تُدخِلُ عليه العجب بعلمه، وهو من الكبائر؛ فيحبط عمله، أو تُدخِل عليه الكبر وهو كذلك من الكبائر، وكفى بإبليس عالمًا متكبّرًا. والنّفس تحيي في الإنسان الرياء في العلم والتعليم، وتنبت في القلب الحقد والحسد للعلماء، وخاصة إذا رأى عالمًا نفع اللّه به العباد وفتح عليه بالدعوة والإرشاد، فعندها يُبتلى بالطعن فيهم، ويذكر مثالبهم، ويُنَقِّصهم بل ويتّهمهم، وكفى بذلك شقاء حرمانه من نفعهم وإحباط أجره وعمله بالرياء. والنّفس هي الحجاب الأكبر بين العبد وربّه، فإنّك لن تصل إلى التعزّز بمولاك إلاّ من طريق تذلّلك إليه، ولن تدرك التقرّب منه إلاّ من طريق الافتقار إليه، ولن تتحقّق بلذة الأنس إلاّ بالانكسار بين يديه. وعليك أن تعلم، يقين العلم، أنّه ليس لك من عِلمك حرف واحد إن نسبتَ العلم إلى جهدك، بالدراسة والتعلّم أو التعليم، بل العلم اليقيني أن تعلم أنّ اللّه اختارك واصطفاك لحمل أسرار شريعته بفضله. وبجوده طهَّر قلبك لنور كلامه، وبكرمه هيأ فيك الاستعداد للعمل بأمره واجتناب نهيه، متيقِّناً قوله تعالى: {وعلّمناهُ من لَدُنَّا علمًا}، وقوله: {الرّحمن علَّم القرآن}. كما إنّك لو وفقت للتعليم أن ترى بعين الحقيقة أنّ الفضل في ذلك كلّه للّه وحده، لأنّه بجوده أجلس الخلق بين يديك. فإنّك بنوره اهتديت، وبفضله استغنيت وبرحمته تعلَّمتَ، وبكرمه وإحسانه حفظت، ولو وكّلك إلى نفسك طرفة عين لهلكت.