أخيرا، قرّر أويحيى التخلي عن كرسي حزبه. ويؤكد في الرسالة التي وجهها إلى مناضلي الحزب أنه سيبقى مجرد مناضل في الحزب. شخصيا، لا أصدق هؤلاء السياسيين المحترفين للامتيازات، عندما يتحدثون بتواضع مصطنع عن ''استعداداتهم للعمل كمناضلين عاديين''. ولا أقصد أويحيى فقط، المشكلة أنهم يشكلون أغلبية العاملين في السياسة. وحتى أولئك الذين انتقلوا ''من المعارضة إلى السبورة'' في شكل وزراء أو موظفين سامين، أو نواب وشيوخ.. فهم لا يطيقون فكرة حجب الامتيازات عنهم. ولا أعتقد أن ذهاب أويحيى يغيّر في المعادلة، ولا ذهاب بلخادم، ولا ذهاب بوتفليقة يمكن له أن يعيد للوظيفة السياسة رسالة بث الأمل. كم رحلت قبلهم من أسماء.. فماذا تغيّر؟ تداول الرؤساء على المنصب، وتداول رؤساء الحكومات، والوزراء، والنواب والشيوخ والشباب على مناصب وامتيازات. وكان نصيب البلد أنه استقر عند رقم 97 بالمائة، وهو رقم نسبة مداخيل البلاد من المحروقات، من أيام حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد. إننا نشكل حالة نادرة في العالم. فقد حققنا أطول رقم قياسي في ''الاستقرار'' حول هذه النسبة وهذا الرقم الذي قد يخوّل لنا دخول عالم ''غينس'' للأرقام القياسية. منذ أيام، قال الوزير الأول، عبد المالك سلال، بأن المشكلة اليوم ليست في التمويل (تخصيص المال للمشاريع)، لكن في التسيير. ويريد منا السيد سلال فهم ما يقوله هو، وفق منظوره هو، بأن التسيير السائد في البلاد ليس من ''فعل الحكومة''، أو أن الحكومة ليست مسؤولة عن تفشي مظاهر سوء التسيير، عندما يوجد تسيير. ولا هي مسؤولة عن النفايات واتساخ المدن، ولا هي مسؤولة عن تزايد ظاهرة الاعتداءات وتصاعد وتيرة الإجرام المنظم. ولا هي مسؤولة عن تضخم مطالب بعض التنظيمات النقابية التي فهمت قياداتها بأن خير طريق للوصول إلى قلب الحاكم، هو ابتزازه، وتهديده بالإضراب، أو الخروج إلى الشارع. وبطبيعة الحال، فالبلد بحاجة إلى فئة من المسيّرين السياسيين القادرين على تقديم الملموس، والقادرين على تغيير النسبة السابقة. البلد في حاجة إلى مسيّرين لا يتكلون على مداخيل سوناطراك. لكن السؤال هو: كيف الوصول إلى هؤلاء؟ أو كيف يصل هؤلاء إلى حيث يجب أن يكونوا؟ جرّبت الجزائر التغيير بالعنف، وكان سببا في تشويه التجربة الديمقراطية، والتشكيك فيها. وجرّبت التغيير عن طريق الإصلاحات، وبتكييف الدساتير، والقوانين.. جرّبت الكثير من الحيل، والعديد من الطرق. تعاملت مع الأزمات كما يتعامل الدجال مع مساكين يائسين، يلهيهم بأمل هو أبعد من الأحلام، ويداويهم بأحلام هي أقرب إلى الخيال، لا يقول ''لا''، ولا يقول مستحيل، سلاحه الوعد بغد أفضل لا يأتي. ومن غرائب الصدف أن تتلاحق استقالات وانسحاب العديد من قادة الأحزاب، سعدي، وآيت أحمد، ثم أويحيى، والقائمة مفتوحة بمناسبة الاستعداد لفتح قائمة رئاسيات .2014 هل هناك ترتيب ما؟ أم أنها الصدفة؟ أم أن انسحاب سعدي وآيت أحمد فتح بابا أمام أصحاب القرار ليقوموا باستغلال ''الظاهرة'' في عملية تطهير أو انتقال؟ لا أدري، لكن ما أستطيع كتابته أن أصحاب القرار فشلوا، على مرّ العقود، في ترتيب قاعدة الحكم. فمازلنا نتكلم عن ''الجزائر إلى أين؟''.. وفي كل المجالات، سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا وثقافيا.. وحتى في الكرة. ومن دون شك، ستكون سنة 2013 سنة تنفيذ الترتيبات لكيفية إجراء رئاسيات .2014 ولا يوجد ما يدلل على أن الجزائر مقبلة على اختيار، من بين الرجال والنساء، من هم الأفضل والأكثر كفاءة. فعراك الأحزاب هو صراع حول الامتيازات، وليس على البرامج والأهداف، والمدة التي يجب تحقيق فيها الإنجازات. نعم، هناك أرقام ضخمة تخص البناء، وليس التنمية، في قطاعي السكن والطرقات. لكنها تجاوزت غلافها المالي، وتجاوزت المدة بسنوات. وإلى اليوم، لم تنجز بعد سكنات تعود إلى ''الخماسي الأول''. ويسعون للبقاء بحجة إتمام البرامج.. البلد بحاجة فعلا إلى كفاءات، وليس إلى مهرّجين..