المُتدبِّر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحقّ الّذي نزل به، والّذي نزل ليُقرّه، يجده في روحه ويجده في نصّه، يجده في بساطة ويُسر، حقًّا مطمئنًا فطريًا، يُخاطب أعماق الفطرة ويطبعها، ويؤثّر فيها التأثير العجيب.. وهو {تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ}. والحكمة ظاهرة في بنائه، وفي توجيهه، وفي طريقة نزوله، وفي علاجه للقلب البشري من أقصر طريق. والله الّذي نزّله خليق بالحمد، وفي القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير.. ثمّ في قوله تعالى بعد هذه الآية الكريمة: {ما يُقال لك إلاّ ما قد قيل للرُّسل مِن قبلك} فصلت .43 يربط السياق البليغ بين القرآن وسائر الوحي قبله وبين رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وسائر الرُّسل قبله، على الجميع أفضل الصّلاة والسّلام. ويجمع أسرة النُّبوة كلّها في ندوة واحدة تتلقّى من ربِّها حديثًا واحدًا، ترتبط به أرواحها وقلوبها، وتتصل به طريقها ودعوتها، ويحس المسلم الأخير أنّه فرع من شجرة وارقة عميقة الجذور، وعُضو من أسرة عريقة قديمة التاريخ. وفي الآيتين 82/83 من سورة آل عمران، يُصوِّر جلّ وعزّ حقيقة التّرابُط بين موكب الرُّسل والرِّسالات على عهد من الله وميثاق، ينبني عليه فُسوقُ مَن يتولّى عن اتباع آخر الرِّسالات الّتي جاء بها سيّدنا محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، إلى النّاس أجمعين، بل إلى الثقلين تكليفًا وإلى الملائكة تشريفًا، وينبني عليه أيضًا شذوذ مَن لم يوفّ بهذا العهد عن ناموس الكون كلِّه على الإطلاق.