لا شك أنّ أثر الدّين الصّحيح هو إصلاح القوم الّذين خوطبوا به، وانتشالهم من حضيض الانحطاط إلى أوجّ السّمو، إن خاصاً فخاص وإن عاماً فعام، على نحو مراد اللّه تعالى من الدّين ومن الأمّة المخاطبة به على حسب حكمته تعالى، وكم كان للأديان الإلهية من أيدٍ في صلاح البشر وفي تكوين الجماعات الصّالحة، ليحصل من صلاح الأفراد والجماعات صلاح المجموع كلّه عند الأمد المعلوم. لذلك لم تزل الأديان مصابيح هدى، قال تعالى: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربّكم وهدى ورحمة} الأنعام:155-156. قال بعض الفلاسفة: ''إنّ الاعتقاد الديني العام، ولو كان فاسدًا، كاف لتأسيس دولة ثابتة''، يعني بذلك أن اتحاد قوم في العقيدة والنّظام صالح لأن يسوق أولئك القوم تحت لواء دعوة من يدعوهم إلى تأسيس دولة باسم ذلك الدّين. فهذا زعم باطل، لأن الدّين الفاسد لا ينتج إلاّ آثارًا فاسدة كالزّبَد يذهب جُفاء والاعتقاد الصّالح لا يؤسّس دولة، إلاّ إذا صلُحَت به القلوب وتطهّرت به النّفوس وحصل نفوذه فيها ما انتشر به بين أمّة كبيرة. لم يزل علماء الاجتماع يعدّون من أكبر أسباب النّهوض والسّقوط حالة الدّين والعقيدة، والقرآن قد شهد بذلك ونبّه إليه من قبل. قال تعالى: {وأوتِينَا العِلم مِن قبْلِها وكنّا مسلمين وصدّها ما كانت تعبد من دون اللّه أنّها كانت من قوم كافرين} النّمل:34، حكاية عن بلقيس ملكة سبأ الّتي صدّها عن حصول العلم النّافع عبادتها الشّمس، فكانت بذلك الاعتقاد منصرفة من الكمال العلمي والرّشد الفكري واستكمال الحضارة الصّحيحة.. ومن رحمته تعالى عليها أن أسلمت رضي اللّه عنها مع سيّدنا سليمان عليه السّلام للّه ربّ العالمين.