يصرّ الشباب البطّال بورفلة، على تصعيد الحركة الاحتجاجية، خلال الأيام المقبلة، عبر الانتقال من الوقفات الاحتجاجية إلى الاعتصام أمام المؤسسات الرسمية، إذا لم تستجب السلطات المركزية لمطالبهم الاجتماعية، المتعلقة بالتشغيل والتنمية المحلية، كاشفين أن تعليمة الوزير الأول التي جاءت بتدابير لحل مشكل البطالة وإنصاف أبناء المنطقة، لم تأخذ طريقها للتطبيق، رغم مرور شهرين على استصدارها. اتفق شباب من الجنوب، حضروا اجتماعا بإقامة جنان الميثاق يوم ال27 من شهر مارس الفارط، حضره وزراء الداخلية والفلاحة والعمل، ومدير عام سوناطراك وممثلون عن المجلس الخيري الوطني (الأعيان)، اتفقوا على عدم مغادرة العاصمة إلى غاية الحصول على نتائج ملموسة. وقال هشام، الذي حضر اللقاء: ''تم التطرّق لمشكل التشغيل، وحينها وعدنا مدير عام سوناطراك بتوفير 2400 منصب شغل خلال السداسي الثاني لسنة 2013، بينها 1500 منصب في قطاع المحروقات، منها 800 منصب دائم و500 مؤقت، والبقية موزعة على قطاعات الحماية المدنية والفلاحة والموارد المائية، فيما منحت مديرية الأمن الوطني 2106 منصب في الشرطة لأبناء المنطقة''. لكن أقوال شباب التقينا بهم بورفلة وحاسي مسعود، تقاطعت حول حقيقة أنه لا شيء تحقق من الوعود التي قدمتها السلطة المركزية منذ 14 مارس، بدليل أن كل المناصب التي تم توفيرها لم توزع بعد، ما يعني تعطيل تعليمة الوزير الأول عبد المالك سلال التي جاءت لإنهاء مشكل البطالة في المنطقة. وعلمت '' الخبر'' أنه تم تكليف شخصين بتسيير وكالة التشغيل بصفة مؤقتة، نهاية الأسبوع الماضي، على أن يشرع في دراسة العروض خلال بضعة أيام. وفي غمرة هذا الوضع، يقر بعض شيوخ قرى ومداشر ورفلة: ''الوعود التي قدمتها الدولة ولم يتم تجسيدها، غذت الأفكار المتطرفة لدى الشباب، والتي مفادها أن الدولة تتعمّد بقاء المشاكل. فتعليمة الوزير الأول لم تعط نتيجة، لأنها مرتبطة بتوفير مناصب شغل أولا، وإلغاء الشروط التعجيزية التي لا تزال قائمة''. السيناريو الذي كان مفترضا تجسيده حسبهم يقوم في بداية الأمر على توفير نحو 1500 منصب خلال شهر في شركات بترولية وطنية، قصد امتصاص الغضب ونزع فتيل الأزمة، لكن ذلك لم يتم؟ ملابسات تسيير الوكالة واستنادا لأقوال كافة المسؤولين والشباب البطّال بورفلة، فإن الفراغ الذي تعرفه الوكالة الولائية للتشغيل منذ قرابة العام، هو الذي حال دون توزيع عروض الشغل، لأن المدير الولائي فضّل الاستقالة من منصبه. وإلى غاية اللحظة، لم يتم تنصيب مدير جديد للوكالة، رغم أن الوالي في آخر اجتماع له بالشباب والأعيان، وعد بتنصيب المدير الجديد خلال بضعة أيام قصد الشروع في تقسيم عروض الشغل على وكالات التشغيل الأخرى، كما طمأن الشباب بتقديم الشركات البترولية الوطنية ل2200 عرض عمل. فهل صعب على الوالي اختيار المدير الأنسب من بين المرشحين ال 11، خاصة وأن الوالي كان قد أشار في آخر اجتماع له بالشباب إلى ملابسات في تسيير هذه الوكالة، موضحا أن الأرقام التي قدمتها عن عدد البطّالين في ورفلة يطرح أكثر من علامة استفهام، فهي تؤكد وجود 11 ألف بطال في المنطقة. لكن عدد السير الذاتية التي قدمت في ملفات الشباب الراغب في الانخراط في سلك الشرطة، قدر ب 17 ألف. ويشير كمال زهواني وعبد الحميد بوراس، وهما شابان من حاسي مسعود، إلى أنه: ''ورغم استقالة مدير التشغيل، إلا أن استعمال الختم مازال ساريا، والمدير حرر تقارير ضد مديري وكالتا حاسي مسعود والرويسات، بل ووجّه تعليمة لمدير وكالة حاسي مسعود تقضي بضرورة استقبال الشباب يومي الاثنين والأربعاء، وختم التصديق لابد أن يكون مرفقا بختم وكالة ورفلة، وإلا فإنه يعتبر غير مقبول، مع أن هذا الأمر غير قانوني وبيروقراطي''. فهل تحوّلت قضية إيجاد مدير جديد لوكالة التشغيل الولائية إلى لغز، خاصة وأن أحد المسؤولين الذين اعتادوا حضور الاجتماعات بالولاية، يقول إن رئيس ديوان الوالي كان يترجى المدير الجهوي للتشغيل لولاية وهران عبر الهاتف، أن يقبل بتسيير وكالة ورفلة لمدة مؤقتة إلى غاية تعيين مدير جديد. دولة عاجزة عن تعيين مدير وفي رسالة وجّهها رئيس التنسيقية الولائية للحركة الجمعوية لورفلة، قويدر بن حنيش، إلى وزير العمل والتشغيل، تحت عنوان ''عرض حال''، اتهم الوكالة الوطنية للتشغيل بالوقوف وراء كافة المشاكل التي حرّكت البطّالين في ورفلة، وجاء فيها: ''هناك جهة أخرى تعمل على إعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر، وهي الوكالة الوطنية للتشغيل التي عجزت عن تسيير الوكالات الولائية وتسببت في فوضى واحتجاجات''، وأضاف: ''الوكالة كانت خارج مجال التغطية ولم تكن لها الكفاءة الميدانية لاحتواء الوضع، ما يدل على أن كل الزيارات الميدانية التي كانت تقوم بها بعثات الوكالة، وعلى رأسها المدير الوطني، لم تكن سوى زيارات جوفاء لم تسفر عن أية حلول''. ويحذر المتحدث من تسييس قضية تعيين المدير الولائي للوكالة: ''لأن عملية تنصيب المدير تتجاذبها حاليا تيارات تبحث عن مصالح في الولاية، وهو السبب الذي جعل ملف التشغيل لا يحقق غايته المنشودة''. وأبعد من ذلك، يضيف: ''شركات المناولة لم تمتثل بعد لتعليمة الوزير الأول بخصوص قضية الأجور، فهي تشير إلى أن 80 بالمائة من الأجور تدفع إلى العامل التابع للمؤسسة، على أن تستفيد شركة المناولة من نسبة 20 بالمائة فقط، إلا أن هذا المبدأ لم يجسد في الميدان استنادا لشهادات عمال يشتغلون في الفندقة وشركة دوزاس بي''. صراع بين أجنحة السلطة المحلية ويعترف عمال شركات مناولة رفضوا الكشف عن أسمائهم أنه لا يوجد إلى غاية اليوم من يراقب هذه الشركات، لأن مفتشية العمل لم تكلّف نفسها عناء القيام بعمل تحسيسي وتفتيشي أو تنظيم لقاءات جوارية مع البطالين. وموازاة مع ذلك، قيل لنا بحاسي مسعود، إن هناك شركات وطنية باتت تخشى الإعلان عن عروض التشغيل لأسباب تتعلق بالفوضى في الشارع، برغم أنها تشكو من قلة ونقص في اليد العاملة مثل .(engcp,gtp,enafor,ensp, entp) ولم يعد من حق هذه الشركات اللجوء إلى التوظيف المباشر بعد مرور21 يوما على نحو ما كانت عليه سابقا، لأن تعليمة الوزير الأول تشترط ألا يكون هناك توظيف مباشر من خارج الولاية إلا بترخيص من الوالي. ولأن هذا الشرط أغلق باب التلاعب أمام الشركات، فقد لجأت الأخيرة إلى البحث عن صيغة قانونية جديدة تسمح لها بالتشغيل المباشر. وموازاة مع ذلك، لجات شركات أخرى على نحو ما يشير إليه رئيس التنسيقية الولائية للحركة الجمعوية إلى ''اختراع تقليد جديد، يتمثّل في انتداب العمال من ولاية إلى ولاية أخرى على نحو ما تقوم به شركة ''دي آر سي''، إذ يتواجد مقرها الاجتماعي ببطيوة بوهران، تقوم بتشغيلهم في وهران، ثم تحوّلهم إلى حوض الحمراء بحاسي مسعود''. وإلى ذلك، يعترف عدد من عمال شركات بترولية في حاسي مسعود، أن اليد العاملة الأجنبية لا تخضع لأية رقابة، ولاسيما المؤسسات الكندية، الإيطالية، السورية، المصرية، الصينية والبريطانية، حيث تمارس يد عاملتها مهنا محلية ووطنية، كالسياقة وغيرها، ما يطرح بالتالي تساؤلا أكبر عن الدور الذي تلعبه لجنة مراقبة التشغيل بالولاية، ومعها مفتشية العمل في حاسي مسعود؟ المفارقة الموجودة بورفلة بحسب متابعين للوضع هناك هي أن السرعة التي استصدرت بها تعليمة الوزير الأول عبد المالك سلال لم ترافقها سرعة في تنفيذ التدابير التي جاءت بها، لأن الإدارة وأجنحة في السلطة المحلية ما تزال تنظر إلى مشكل التشغيل على أنه مشكل عادي، في وقت ينتظر فيه الشباب البطال إجراءات استثنائية استعجالية لحل مشاكله. بل وحتى الإجراءات التي اتخذت في مجالات أخرى، كالفلاحة لتوفير مناصب شغل، تسير ببطء، استنادا لأقوال بعض الفلاحين وشباب يرغب في الاستثمار الفلاحي، بدليل أن لجنة الاستثمار لم تجتمع منذ العام. لغز قائمة السكنات الاجتماعية السؤال الذي مازال يؤرق الكبير والصغير في ورفلة هو: لماذا نشرت قائمة السكنات، في وقت تعرف فيه الحركة الاحتجاجية الشبانية تصعيدا غير مسبوق؟ فالبعض يقول إن مسيرة 14 مارس التي وصف فيها الوزير الأول أبناء ورفلة بالرجال، أعقبتها إشاعة قوية تفيد بأن الرئيس بوتفليقة سيزور المنطقة ويعلن عن قرارات هامة لفائدة الشباب والمنطقة، فلماذا وضعت قائمة السكنات في تلك الفترة وبطريقة مفاجئة، فهل هي حيلة لكسر الحركة الاحتجاجية وتقديم شباب ورفلة في صورة الشخص المحب للعنف والشغب؟ ''نحن تعرّضنا لمكيدة كبيرة من قبل السلطات المحلية في الولاية، من خلال تعفين الشارع بتوزيع قائمة السكنات التي أعقبتها أعمال شغب وعنف''، يقول بعض الشباب البطّال المحتج بورفلة. ولكن بروز شعارات جديدة في عملية الاحتجاج باللعب على قضية الجهوية، جعلت البعض يقتنع بأن جهات في ورفلة كانت تخطط لتحويل الحركة الاحتجاجية عن أهدافها الاجتماعية، واتخذت ذرائع أخرى كالسكن. ولو لم تجد مشكل السكن للتحجّج، لوجدت وسيلة أخرى، بدليل أن الأحداث استمرت حتى بعد إلغاء قائمة السكنات. ويقول أحد الشيوخ المتابعين للحراك الاجتماعي في المنطقة ''يوجد جناحان للبطالين في المنطقة، جناح يعمل بإخلاص ونزاهة وصوته غير مسموع إعلاميا، وجناح آخر يركز عليه الإعلام بشكل غير طبيعي ويرفع شعارات غريبة عن المشاكل الحقيقية للبطالين''. ففيما اعتبر عدد من الشباب البطّال خلال الوقفة الاحتجاجية التي نظمت يوم ال17 أفريل الماضي، أن الطاهر بلعباس يعتبر قدوة لهم، قالت لنا مجموعات شبانية قامت بقطع الطريق الوطني رقم 03 بحاسي مسعود، إنها لا تعترف بتاتا بالطاهر بلعباس. مجلس الأعيان سيتحوّل إلى هيئة رسمية الملاحظ أن أحداث الشغب التي تمت في ورفلة، كشفت عن أن ما يسمى بالأعيان (المجلس الخيري الوطني) فقد السيطرة على الشباب، بل وهناك حتى من يرفض استعمال كلمة (أعيان)، لدرجة أن المحتجين يطالبون السلطة المركزية بالتعامل معهم كطرف أساسي في الحوار، بدل من (المجلس الخيري)، كونهم المعني الأول بالشغل. ولعل رفض الشباب ل (الأعيان) راجع إلى أن السلطة تستعين بهؤلاء الأعيان كواسطة في استتباب الأمن، ولكنها تخل بالوعود المقدمة لهم، ما جعلهم يظهرون في صورة أشخاص لم يأتوا بمكاسب للشباب. هذا المعطى، ولّد حرجا كبيرا لأعضاء ما يسمى المجلس الخيري الوطني عبر 10ولايات في الجنوب، ما جعلهم يفكّرون في الترتيب لتحويل هذا المجلس إلى هيئة معترف بها. وقال محمدي عبد الرحمان، أحد أعضاء المجلس الخيري الوطني، إن المنسق الوطني للمجلس معروف الدا وعلي، اقترح تنصيب مجالس محلية عبر دوائر 10 ولايات في الجنوب على وزارة الداخلية، وسيشرع في العملية خلال الأيام المقبلة، في خطوة لإقناع وزارة الداخلية بمنحهم الاعتماد. وسيتشكّل المجلس المحلي من شيوخ وفلاحين وجمعيات المجتمع المدني، يهدف إلى إخماد نار الفتنة، وسيكون فضاء للحوار والتشاور، على أن يجتمع المجلس الوطني بصفة دورية كل 45 يوما. وتحرص السلطة المركزية على التعامل مع مشايخ ولايات الجنوب والاستئثار بهم في إخماد فتيل الاحتجاجات، على نحو ما حدث خلال المسيرة المليونية ل 14 مارس الفارط التي تم تأطيرها من قبل أعيان ورفلة واختزلت في وقفة احتجاجية.