اتفق مختصون في أمراض الأطفال وفي علم الوراثة والميكروبيولجيا، على أهمية الفحص المبكر الذي يتوجب القيام به في فترة ما قبل الولادة عند المرأة الحامل، والذي من شأنه أن يشخّص إصابة الجنين بمرض وراثي من عدمه. جاء ذلك خلال فعاليات الملتقى الطبي حول الأمراض الوراثية الذي احتضنه مؤخرا مستشفى مصطفى باشا الجامعي وحضره مختصون في أمراض الأطفال وكذا في الأمراض الوراثية. وعن هذه الأمراض، أكد الدكتور محمد الطاهر حملاوي، اختصاصي في أمراض الأطفال من مستشفى بارني بحسين داي أنها تقدر ب3 ملايين مرض يصيب الجزائريين، وأنه في الوقت الذي تتوفر فيه الجزائر على الوسائل اللازمة للكشف على هذه الأمراض، تنعدم البحوث المتعلقة بها. داعيا إلى ضرورة توفير شبكة طبية عبر الوطن تسعى للكشف المبكر عن هذه الأمراض التي يتسبب فيها زواج الأقارب بنسبة 80 بالمائة. وفي نفس السياق، أكد البروفيسور مكي عز الدين، مختص في طب الأعصاب عند الصغار من مستشفى بارني أنه كلما زاد زواج الأقارب زادت معه تلك الأمراض، وذلك ناتج عن وجود خلل في مكونات خلايا الجسم عند الآباء والتي لا تلاحظ عليهم بل تظهر عند الأبناء. مؤكدا على ضعف تشخيصها عند الولادة بالجزائر وهو ما يؤدي إلى موت الجنين، أو إلى حدوث إعاقة تلاحقه مدى الحياة أدناه خطورة على مستوى الأذن فتسبب له الصمم المزمن. أغلب حالات الصمم وراثية وفي هذا الصدد، أشار الدكتور حملاوي إلى أن 50 بالمائة من حالات الصمم بالجزائر تعود إلى عوامل وراثية، كما قد تخص تلك الإصابة العين مسببة العمى للأطفال، أو على مستوى مختلف أعضاء الجسم مثل التشوهات الخلقية على مستوى القلب والتي يولد بها عدد لا يستهان به من الأطفال بالجزائر، مرجعا سببها إلى انعدام هيكل تقني فعال من شأنه أن يشخّص هذه الأمراض. وعن التحاليل الطبية التي من المفروض أن تتم خلال فترة الحمل للكشف على هذه الأمراض الوراثية، أكد الدكتور حملاوي أنه يجب فتح نقاش وطني حول هذه التحاليل، على أن يتم إقحام رجال القانون ورجال الدين و الطاقم الطبي، ليتولوا الفصل في مصير الطفل الذي سيولد بإعاقة، حيث أن الإجهاض العلاجي الذي من المفروض أن يتم تلقائيا في حال اكتشاف الإصابة أثناء الحمل غير مسموح به عندنا، إذ تنص القوانين الصحية للبلد على عدم إجهاض المرأة الحامل لصغير معو، إلا إذا كان هناك خطر على صحة الأم. وعليه فرغم مقدرة العلم على تشخيص الإصابة عند الجنين وهو في بطن أمه، يبقى مصيره القانوني مجهولا. يحدث هذا في الوقت الذي عملت فيه دول شقيقة مسلمة على السماح بهذا النوع من الإجهاض، يضيف الدكتور حملاوي مطالبا بالتالي بضرورة فتح نقاش صريح حول الموضوع تشارك فيه كل الجهات المشار إليها سابقا، ليقاسمه البروفيسور مكي الرأي الذي أكد على أن المتداول حاليا هو عدم الاعتراف قانونيا برغبة العائلة التي تحبّذ إجهاض الجنين المصاب بمرض خطير أو المعوّق، وهو ما يطرح حسبه علامة استفهام كبيرة تنتظر الرد عليها بموجب القانون. عائلة جزائرية تفقد 6 أطفال والسبب انعدام التشخيص وعن معاناة العائلات الجزائرية من مشكل الأمراض الوراثية، وصف الدكتور حملاوي الوضعية على أنها حالة حداد متواصلة، مستدلا بمثال تلك العائلة التي فقدت ستة أطفال بسبب هذه الأمراض والتي كان أملها وحلمها الوحيد هو الاحتفاظ ولو بواحد منهم. من جهته، يتذكر الدكتور مكي حالة الأم التي فقدت أربعة أطفال بسبب مرض وراثي لم يتم تشخيصه إلا عند طفلها الخامس، ليطالب بالتالي المختصّون بضرورة وضع مخطط وطني للتكفل بهذه الأمراض، على أن يتفهّم المشرّع الجزائري معاناة هذه العائلات ويحترم رغبة العائلة في إجهاض الأم الحامل لجنين مصاب في الأشهر الأولى ولا ينتظر أن تبلغ الولادة وتنجب صغيرا معوّقا أو يعاني من مرض وراثي خطير.