تيقَّن أنّ رزقك سوف يأتيك على ضعفك، وأنّ ما قُدِّر لماضغيك أن يمضغاه لابُدّ وأن يمضغاه، ولقد رزقك وأنت في ظلمة الرّحم وظلمة البَطن بين الأحشاء، ولقد شقّ لك الفم وأوجد لك البلعوم، وركّب لك المعدة ووصلها بالأمعاء، والخالق العظيم لهذه الأمور هو المتكفل بإطعام الفم وبلع البلعوم وهضم المعدة وامتصاص الأمعاء، وهو القائل سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}. والفقر يا أخي هو فقد ما هو محتاج إليه، وعلى هذا فكلّ موجود سوى اللّه هو فقير محتاج إلى الغني المطلق، وليس في الوجود إلاّ غني واحد، فأظهر افتقارك إليه ومُدَّ يد الحاجة بين يديه، والّذي اتّفق عليه النّاس أنّ فاقد المال يسمّى فقيرًا لأنّه لا يتوصل إلى حاجاته إلاّ بالمال، وهو مضطر إليه ليشبع جوعته أو يكسو عورته أو يطعم صبيته. قال سيّدنا عليّ رضي اللّه عنه: “إنّ للّه تعالى عقوبات بالفقر ومثوبات، فمن علامات ثوابه أن يحسن عليه خُلُقُه ويطيع به ربّه ولا يشكو لأحد حاله ويشكر اللّه على فقره. ومن علامات عقوبته أن يسوء عليه خُلُقُه ويعصي به ربّه ويترك طاعته ويكثر الشكاية ويتسخّط القضاء”، فالفقير المحمود هو الّذي لا يتسخّط ويرضَى، ويعلم أنّ ما اختاره اللّه له خير من اختياره لنفسه.